شهدت السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، صعودًا وانتشارًا لليسار الفلسطيني، وساهمت عوامل عدة بتقويته وتعمقه بين الجماهير الشعبية الفلسطينية، كقوة مؤثرة في المجتمع الفلسطيني، خصوصًا بين الطبقات الكادحة والعاملة والمسحوقة والمثقفين الثوريين.
وتميز اليسار في تلك الحقبة بالاستقلالية والمعارضة البناءة لنهج ما يسمى باليمين الفلسطيني على اختلاف تشكيلاته وتنوعاته ومشاربه، ولكن في إطار الحفاظ على وحدة ومكانة منظمة التحرير الفلسطينية، وكان المبادر للعمل التطوعي والأهلي والاجتماعي والنقابي، وطليعيًا في ممارسة أشكال الكفاح الشعبي ومقاومة الاحتلال.
وقد لاحظنا دور اليسار الطليعي الفاعل في الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الكبرى بأفكاره الثورية وطروحاته السياسية، من خلال الالتصاق بالجماهير والعمل على تجنيدها وتعبئتها وتأطيرها وتبوأ المكانة اللائقة بين قيادة الانتفاضة الموحدة.
ولكن بعد اتفاق أوسلو أخذ اليسار بالتراجع وفقد رونقه في المشهد السياسي الفلسطيني، وساهم الانقسام والتشرذم في الساحة الفلسطينية بتعميق أزمته، نتيجة الاستقطاب الحاد بين فصيلي "فتح" و"حماس".
لا شك أن اليسار هو حاجة موضوعية في المجتمع الفلسطيني كما هو الحال في كل المجتمعات، ولذلك فمن الأهمية والضرورة أعادة الاعتبار لليسار الفلسطيني، وإجراء مراجعة حقيقية ومقارنة بين الماضي والحاضر، لاستخلاص العبر والدروس واحداث انطلاقة واستنهاض جديد لليسار ليتبوأ مكانته ودوره الطليعي النهضوي والتنويري في المجتمع الفلسطيني.
ولعل الدرس البليغ الذي يجب أن يتعلمه اليسار الفلسطيني ويستفيد منه هو أن الموضوع الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي هو الأهم، وان الوقوع في شرك الوهم السلطوي خطر كارثي حقيقي، وعليه العودة للمربع الأول، ومراجعة التجربة الماضية ونقد الذات مما علق به من شوائب واخفاقات وتراجعات، وصياغة خطاب وطني نضالي تحرري جديد، والعودة إلى الشارع الجماهيري، وتقديم نموذج ثوري وكفاحي عقلاني ملتصق بالمصلحة الوطنية العليا والقضايا الشعبية الطبقية وبناء المؤسسات المدنية والجماهيرية ومواصلة الكفاح ضد الاحتلال، وأن يأخذ زمام المبادرة لإنقاذ القضية الوطنية الفلسطينية من ثنائية فتح وحماس، التي لم تعد حرمة الدم الفلسطيني تشكل خطًا أحمر بالنسبة لهما.
من المهم إعادة تأصيل اليسار بمفهومه الحقيقي الشامل الشاسع، على أساس عدم التبعية واستقلالية القرار، وحمل هموم الجماهير الكادحة الفقيرة المسحوقة والمستضعفة، وتعميق الجدل والسجال الفكري والأيديولوجي حول السؤال: أي يسار فلسطيني نريد.؟!
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com