في نهاية كل حدث رياضي عالميـ يتم استقبال الفريق الفائز في الحدث (أو الشخص) بحشود شعبية تقديراً للفوز. لكن ما حصل في الجزائر هو العكس. فالرياضي فتحي نورين لاعب الجودو العائد للجزائ،ر لم يعد بميداليات من ألعاب أولمبياد طوكيو، بل عاد إليها حاملاً لقباً آخر أهم بكثير من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية. لقد عاد اللاعب نورين منسحباً من اولمبياد لم يكن ليرتضي أن يسجل التاريخ له لقاءً مبارزة مع "عدوه" الصهيوني ليحمل صفة "مطبع".
فتحي نورين الجزائري الجنسية، لكنه فلسطيني الهوية، كما برهن موقفه في طوكيو على ذلك، لم يطاوعه ضميره أن يرتبط اسمه رياضياً بإسرائيل، ولذلك فضل الانسحاب دفاعاً عن شرف الأمة. وللأسف لدينا من الرؤساء العرب من لا يفهم معنى "الكرامة" فتراهم يتهافتون على التطبيع، ومن الرؤساء العرب من يقف إلى جانب إسرائيل في نهجها، ومن الرؤساء العرب من ينسق معها حتى أمنياً.
لكن الرياضي الجزائري الذي تربى على حب فلسطين ونشأ على العمل من أجل قضيتها، قرر بوعي كامل الانسحاب من أولمبياد طوكيو لأنه كما قال " يعارض التطبيع العربي مع الاحتلال ويقف متضامناً مع شعب فلسطين". هذا القرار الحاسم اتخذه اللاعب نورين للتأكيد على معارضته للتطبيع العربي مع إسرائيل.
فتحي نورين بطل الجزائر وأفريقيا في الجودو كان أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما مواصلة مشاركته في اولمبياد طوكيو وبذلك قبوله بمبارزة رياضي إسرائيلي، وإما الإنسحاب منها. والبقاء والحصول على ميداليات يعني له الخنوع للتطبيع والقبول بالذل، والإنسحاب يعني تعزيز كرامته الشخصية وكرامة عائلته وكرامة شعبه وسائر الشعوب العربية. فرفض الخيار الأول وارتضى بالخيار الثاني.
لاعب الجودو البطل فتحي نورين قالها بصوت عال عند وصوله مطار العاصمة الجزائر معتزاً بما فعله:" اتخذت القرار مع مدربي وأنا افتخر به، هذا القرار يشرفني ويشرف عائلتي ويشرف الشعب الجزائري والدولة الجزائرية، لأن الرئيس الجزائري صرح أمام العالم أننا لا نبارك التطبيع وندعم القضية الفلسطينة، وأنا مسرور لأنني أغضبت الكيان الصهيوني”.
رياضي سوداني آخر سار على نهج ابن جلدته الجزائري. لاعب الجودو السوداني محمد عبد الرسول رفض أيضاً منافسة لاعب إسرائيلي حيث كان مقرراً أن يتواجها في إطار أولمبياد طوكيو. سبب انسحاب الرياضي السوداني واضح تماماً وهو رفضه موجة التطبيع أثناء أولمبياد طوكيو، على غرار ما قام به البطل الجزائري.
شاب رياضي لبناني آخر برز اسمه أيضاً في رفض التطبيع الرياضي. هذا الرياضي اللبناني اسمه عبد الله منياتو الذي رفض مواجهة لاعب إسرائيلي في بطولة العالم للفنون القتالية المختلطة في البطولة المقامة في بلغاريا. فقد أعلن المقاتل اللبناني الشاب عبد الله ومدربه محمد الغُربي، انسحابهما من بطولة العالم في الفنون القتالية المختلطة "MMA"، بعد أن وضعته القرعة في مواجهة لاعب إسرائيلي. وعندما علم الرياضي اللبناني بأن القرعة وقعت على مواجهته للاعب إسرائيلي، لم يتوان لحظة في إعلان موقفه من المباراة رافضاً ممارسة أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل.
الرياضيون العرب الثلاثة الشرفاء دخلوا التاريخ كموطنيين يرفضون كل نوع من أنواع التطبيع مع إسرائيل في مجالهم، ورؤساء عرب سيلعنهم التاريخ على ما فعلوه ضد إرادات شعوبهم واختاروا التطبيع مع دولة محتلة هجرت شعباً عربياً فلسطينياً لتبني كيانها. هؤلاء العرب سيلعنهم التاريخ ولن يستطيعوا تغيير مجراه.
المواقف هي تربية. وما تربى عليه الجزائري والسوداني واللبناني يختلف كلياً عما تربت عليه لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني التي رضيت بمنافسة رياضية إسرائيلية في أولمبياد طوكيو، فحصدت الذل في القبول وحصدت الخسارة المهينة في المواجهة.
مواجهة لاعبة الجودو السعودية تهاني القحطاني لمنافستها الإسرائيلية راز هيرشكو، ضمن أولمبياد "طوكيو 2020" أثارت الكثير من الجدل والانتقادات مع مديح من الجانب الإسرائيلي. وقد رأى البعض بأنه كان يتعين على اللاعبة السعودية تهاني القحطاني الانسحاب من مواجهتها ضد الإسرائيلية، إذ تعرضت للسخرية عبر منصات التواصل الاجتماعي لعدم انسحابها أسوة بزملائها اللاعبين العرب الذين انسحبوا في مناسبات مختلفة لعدم مواجهة لاعبين إسرائيليين.
فتحي الجزائري ومحمد السوداني وعبد الله الليناني، فازوا بميدالية العزة الوطنية، وتهاني السعودية عادت إلى بلادها حاملة معها شهادة ذل.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com