النظام في السلطة الفلسطينية يتميز بثلاث صفات أساسية: الفساد، قمع الحريات والتنسيق الأمني. التقرير الذي أصدره "الائتلاف الفلسطيني من أجل المساءلة والنزاهة (أمان)" في العام 2016 جاء فيه أن 85% من الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية. ولا يقتصر الفساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية على مسألةَ تجاوزات إدارية ومالية بحتة يرتكبها أفرادٌ غيرُ مسؤولين بدافع المصالح الشخصية، بل هو فساد مزمن متأصل في هيكل السلطة الأساسي في النظام السياسي الفلسطيني.
حتى حكومة محمد إشتية التي تشكلت في العاشر من شهر مارس/آذار عام 2019 قائمة على الفساد والمنافع الشخصية والمحسوبيات.. والآن يريد إشتية المعروف بفساده، أن يجري تعديلاً على أعضاء حكومته ليعطي مجالاً لآخرين للإنتفاع من المناصب، لأنه لا يوجد أدنى سبب سياسي لإجراء تعديل ضروري. التشكيلة الجديدة التي طرحها اشتية لم تحظ بقبول المجلس الثوري احركة فتح
ويتساءل المواطن الفلسطيني: لماذا لم يشمل التعديل وزير الخارجية رياض المالكي الذي يحتفظ بمنصبه منذ أكثر من عشرين عاماً، وكذلك الحال بالنسبة لوزير الشؤون الاجتماعية أحمد مجدلاني، وأيضاً وزير المالية شكري بشارة؟ فمن يقف وراء هؤلاء لكي يحتفظوا بمناصبهم؟ أم أن التغيير الذي أراده اشتية يطال الأسماك الصعيرة، وممنوع الاقتراب من الحيتان؟
هنا لابد من التوضيح أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي تربطه علاقة مميزة مع محمود عباس، أما وزير المالية شكري بشارة فهو بالأصل صاحب المال، لأنه كان رئيس مجلس إدارة بنك الإسكان للتجارة والتمويل ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني. وفيما يتعلق بالوزير أحمد مجدلاني الذي يرأس جبهة النضال الشعبي، فهو ابن أخت الرئيس (حسب المعلومات المتوفرة) والأهم من ذلك تؤيد ابنته التطبيع مع إسرائيل.وأنه يدعم "الخال" في موضوع التنسيق الأمني.
وبما أني عايشت التطور الفلسطيني منذ أكثر من خمسين عاماً في عواصم عربية وأوروبية، أقولها بالفم الملآن انه نتيجة للانتقال الإجباري للقيادات والكوادر الفلسطينية من عاصمة إلى عاصمة، فإن القيادة الفلسطينية جلبت معها كل "وسخ" السلوكيات السياسية والاجتماعية للأنظمة العربية. حتى أن هذه الأوساخ ااتسعت دائرتها بعد صفقة القدوم إلى الضفة الغربية عام 1993حيث أصبحت السلطة كأي نظام عربي قمعي، بدل أن تكون نظاماً ديمقراطياً.
وتكاثرت هذه الأوساخ والفساد والقمع منذ عام 2005 أي منذ تولي محمود عباس المناصب المهمة الثلاث في السلطة (رئاسة فتح والسلطة ومنصب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية). والحقيقة التي يجب أن تقال أن رام الله لم تشهد مظاهرة واحدة ضد الراحل ياسر عرقات، بينما شهدت ولا تزال تشهد مظاهرات عديدة ضد محمود عباس وضد أجهزته الأمنية القمعية ضد المواطن الفلسطيني.
آخر هذه المظاهرات تلك التي جرت عند دوار المنارة في رام الله الإحد الماضي، والتي تم فيها اعتقال 23 ناشطا فلسطينيا. وجلهم من نشطاء وأكاديميين وأسرى محررين وباحثين معروفين، واحتشد أهالي المعتقلين حيث رفعوا رايات كتب عليها “لا للقمع” و”نريد الحرية للمعتقلين”.
بروفسور فلسطيني في علم الفيزياء اسمه عماد البرغوثي يتمتع بمكانة دولية عالية، كان واقفا بالقرب من دوار المنارة، عندما انقض عليه رجال أمن أبو مازن (وشحطوه)الى زنازين المخابرات وكأنه جاسوسا (لا سمح الله) رغم ان الجواسيس والعملاء كبارا وصغارا يصولون ويجولون ويعربدون في السلطة دون حسيب أو رقيب. هكذا بكل وقاحة يتصرفون مع الناس الأبرياء المحترمين.
وقد أعجبني جداً ما قاله البروفسور بعد إطلاق سراحه:" سابقاً كنا نحارب لأجل لقمة العيش وعدم التقدير وقلة الاحترام والان نعيش في ظرف مطلوب من اغلاق افواهنا تماما". وهنا لا بد من القول ان البروفسور برغوثي سيغادر الى العاصم البلجيكية بروكسل لاستلام جائزة عالمية على انجازاته العلمية. وتعليقا على تكريمه قال البروفسور البرغوثي بكل حسرة وألم على ما عاشه:" قي بلجيكا أحترم وأكرّم وأقدّر، وفي رم الله أشحظ وأذل".
الشاعر والروائي والإعلامي الفلسطيني المعروف زكريا محمد أعرفه عن قرب وعملنا مع بعض في مجلة "الحرية" في سنوات الثمانينات. هذا المبدع الفلسطيني تم اعتقاله أيضاً بدون سبب وخارج القانون وأفرج عنه الأحد الماضي. وبعد الإفراج عنه رد على "زعران" الرئيس الفلسطيني بتغريدة قال فيها:" لا يوجد كبير في البلد، ومستعدون للدوس على أكبر رأس فيكم، ونحن نرد بأنكم لن ترعبونا، وسنتصدى للقمع والفساد والاستسلام أمام العدو، وتحيا فلسطين".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com