صدت عام 2020 رواية "هناك في شيكاغو" للكاتبة المقدسية الفلسطينية هناء عبيد المغتربة في أمريكا عن منشورات دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان.
في روايتها أعطت الكاتبة هناء عبيد عنوانا يستوقف القارئ قليلا؛ كي يفسّره ويحلّله؛ وذلك إِذا ما عرف بأنّ الكاتبة مهاجرة فلسطينيّة مستقرّة في سكنها في مدينة شيكاغو منذ زمن بعيد.
تدلّ هذه التّسمية على أنّ الكاتبة مرتبطة بجذورها الفلسطينيّة ارتباطا نفسيّا وثيقا؛ إِذ لم تقل "هنا" بل "هناك"، وعلى هذا المنوال استمرّت الكاتبة، على لسان الرّاوية نسرين تشرح وتشكو غربتها في هذه المدينة، الّتي وصفتها بالرائعة من ناحية طبيعتها وجغرافيّتها، بينما هي مدينة التّسارع الحياتي والمزاحمة في التقاط لقمة العيش، وافتقاد الحياة الأسريّة القريبة من الانسان والالتفاف حول العائلة، بل هي الأقرب إِلى حياة الآلة والرّتابة.
في رواية "هناك في شيكاغو" أظهرت الكاتبة مدى انخداع الانسان العربي بحياة الغرب والانسياق حول المادّة والرّبح؛ ربّما هذا الانجرار هو نتيجة وضع الإنسان العربيّ وخاصّة الفلسطيني، الّذي لم تتوفّر له فرص العمل والحياة الكريمة في بلده.
عدّة من شخصيّات الرّجال في الرّواية لجأت إِلى الزّواج من النّساء الأجنبيّات، من أجل الحصول على "الجرين كارت " ممّا تسبّب في تفكّك العائلات الأسريّة الفلسطينيّة، نحو عائلة أمين وزوجته فاتن.
هناك من أعرب عن ندمه للهجرة، حيث لا ينفع النّدم. ص130" مجنون اللي بيترك أرضه عشان يلحق سراب، من أوّل ما خطّت رجلي على تراب هالبلد وأنا قلبي مقبوض"
في لغتها عبّرت الكاتبة على لسان الراوية نسرين الشّخصيّة البطلة؛ بلغتها الجميلة السّلسة، الّتي استخدمت فيها لغة المتكلّم " الأنا" الّتي ساعدت على التّعبير عن الذّات بشكل أبسط من ضمير آخر؛ نلحظ مدى قدرة الكاتبة في التّعبير عن الذّات من خلال التّساؤل، والعرض للمبادئ المناقضة لمبادئها ومعاييرها الاجتماعيّة في المجتمع الفلسطيني، نحو تقاليد الزّواج والزّيارات، والعلاقات الاجتماعيّة، وغيرها.
أبرزت الكاتبة ظاهرة مهمّة في الحياة خارج الوطن، وهي ظاهرة المودّة والألفة ما بين المغتربين، حيث تجمعهم محنة مشتركة والبعد عن الوطن الأمّ.
تميّزت الرّواية بلغتها الغنيّة بالوصف الدّقيق للشّخصيّات من الشّكل الخارجي، والدّاخلي من النّاحية النّفسيّة، الّتي حمّلتها الكاتبة الكثير من الصّراعات.
ظهرت في الرّواية الكثير من الصّراعات النّفسيّة بين الشّخصيّات، وخاصّة شخصيّة نسرين، بطلة الرّواية، صراعها قبل سفرها إِلى الولايات المتّحدة. حيث صاحبها الخوف والحيرة من المجهول . كيف ستكون الحياة؟ وماذا تخبئ لها الغربة؟ وكيف ستنفصل عن جذورها. ظلّ الصّراع يرافقها طوال حياتها في شيكاغو في حياتها اليوميّة، والعمليّة، وخلال تعليمها وعلاقاتها مع شخصيّات من جنسيّات مختلفة.
الرّواية بكلّ تفاصيلها هدمت الأحلام الّتي يبنيها العربي في خياله؛ لتوضّح له بأنّ هذا الحلم مجرد سراب.