ما القيمة الإنسانية والوطنية والقيم الإعلامية الباقية بعد لطلاء وجه لبنان المترهّل البشع بطبقاته المتعددة الألوان والكوارث المتراكمة؟ هذا لون من ألوف الأسئلة القهّارة بلا أجوبة تعرّي الواقع الجهنّمي والساحات الشعبية المُقيمة في الطوابير أمام أصحاب المطاحن والأفران والمياه ومحطات الوقود ومستودعات الغاز والصيدليات والمستشفيات.
عنوان نموذجي: إبادة جماعية للمرضى وخصوصاً مرضى السرطان في لبنان من قبل محتكري الأدوية.
عنوان آخر: 84 بالمئة من اللبنانيين تحت خطّ الفقر.
لو شئت أن أصفَ نماذج العناوين المُرعبة في الصحف والشاشات والمواقع الإعلامية في ما يُسمى لبنان، لاهتزّت وحوش العالم بدلاً من بشره عن عمق هذا القهر السياسي والتجاري والطائفي والإعلامي في عشق الإنهيارات والجنازات والإنفجارات. لقد استشرف الشاعر خليل حاوي الذي انتحر ببدقية صيده فوق الشرفة في ال1982 أن يختصر هذا الحال بقوله:" مات فينا كلّ عرقٍ". وأقول: مات الحسّ البشري فيكم .
نحن لم نخرج لا ظرفيّاً ولا نهائياً من ظروف الحروب الطائفية، لا بالمعنى الداخلي ولا الدولي، وكلّ تلك التناقضات والكيديات في الممارسات والبرامج والزيارات والعناوين والملابس والأشكال والثقافات والإنتماءات واللهجات والتطلعات والكيديات الرخوة أو المشدودة، تمهر موت هذا الوطن وتفتّته بين اصابع قياديه.
لم ولن تلمس حضوراً طفيفاً لشرف الدولة التي تدّعي الديمقراطية المستوردةً الباقية في علبتها يتشاوفون بل يتكاذبون دكتاتوريين على العالم عبر ما تضخّه وسائل الاعلام من مضامين لا يمكن أن تجمع المواطنين حتّى بأمراضهم وهمومهم وفقرهم وأحلامهم ومستقبل أجيالهم وإباداتهم حيث لا بقايا حياةٍ مع حفنة حكّام يعيشون في قصورهم وكأنهم في مونتي كارلو أو إسبانيا أو جزر اليونان يدورون بأفلاكهم وأعراسهم ومقتنياتهم مع ال4 آلاف تابع وحارس أمام نوافذهم وأبوابهم وبين أرجلهم وهؤلاء على استعداد لتفجير لبنان بالقنابل الذريّة إن اهتزّ مقعد ل زعيمهم أو تجرّأت نحلة من لسع أحفادهم بكلمة.
ماذا نكتب بعد وكيف نخرج من لبنان وكيف نهدر الحبر الواقع بين أهل الجنّة وأهل النار؟ إنّها الكتابة في نيران جهنّم!
أكتب وسأكتب في لبنان فقط ومنه يتطلّع إليه أولادنا وأحفادنا معصورين على وطنٍ يحترمك انساناً قبل أن يلمس جواز سفرك.
ألأنّ اللبنانيّين مسكونون بغرائز وتطلّعات غير موجودة في قواميس تطوّر الشعوب وتاريخ الحضارات، أم أنّ خللاً كبير جينياً سياسيا إعلاميّا سطحيا قشوريا يتلذّذ بنسج الصور المشوّهة النادرة لما أسموه لنا بالدولة؟ صور مقرفة تبدو فيها الحكومات والوزارات والإدارات والسلطات والسلاطين والباكوات والمشايخ والأفندية والزعماء نماذج مرضيّة تتمرّغ بالإطراء والتبجيل بالقصائد والأكاذيب، وقصوراً للخطط والمخططات الجهنمية والسرقات والإختلاسات، وتحقيراً لأهل العلم والفكر والتطور والنضج وخصوصاً لدى الخروج من بوابة الجمهورية الأولى ب 250 ألف قتيل ومئة ألف جريح ومعاق ومهجّر ومهاجر للإنزلاق المدجّج بالسلاح والقتلى نحو باب الجمهورية الثانية أو الثالثة دون أيّ اعتبار أو عبرة للمتغيّرات الحاصلة أو اعتراف بالشباب والأجيال أو بدوران الأرض حول الشمس خلال هذه المئة سنة من تاريخ اعلان لبنان ؟
تكثر الأسئلة في هذا الميدان حاملة أجوبتها في صلبها. لكنّ إشكالية البحث في تبقى في مدى فهم هذه الأسئلة وأسئلة المواطنين في تبادل مفترض بين صورة الناس وصورة السلطة وصورة الدولة حيث تظهر الطائفة دولةً والدولة طائفة كلّما تقدّمنا في الزمان لدولة هويتها ألسنتها وإعلامها.
إعلام الحروب - حروب الاعلام - سلام الاعلام واعلام السلام مربع أو عربة تجرّ لبنان واللبنانيين وتختصرهم جميعاً، وتشحن خلفها المخاطر المتنوعة والفوضى والاحتكارات الوحشية في كلّ شيء بما يضمن التوازن المذهبي المستحيل،ويحفظ الحصص الوطنية والمالية وحصص العدّة من الإعلاميات والإعلاميين. يبدو لي تاريخ لبنان أسطورة تحولات الطوائف في لبنان دولاً مقفلة على الموت. لكل طائفة كلّ عناصر الدويلة القبلية وفي رأسها عدّتها الاعلامية ولغتها المًغايرة، الأمر الذي يُظهر لبنان بل جعله ساحة حروب أهلية باردة وجاهزة للسخونة عند أيّ فتيل إذا ما نضجت أمامه الظروف. ترسم هذه العدّة، بصيغة الجمع، صورة تقريبية لملف مجازر لبنان والاعلام في لبنان: إعلام رسمي فارغ مهمل غير واضح ومحور تجاذب منفّر، إعلام حروب وبقايا أحزاب وميليشيات ومقاتلون ومخرّبون يقيمون في مقاصفهم والعنوان: "أنا" المسؤول بدلاً من "نحن" الدولة.
مَن يخاطب مَن؟ ووفق أية وسائل؟ وإلى مَن يتوجه وكيف وفي أي وقت ولهجة ولغة وهدف؟ ما هي الصيغ التي يُخاطب فيها انهيارات اللبنانيين في المنزل والمتجر والشارع والمدرسة والجامعة والسياسة والاجتماع ؟ وما قيمة حُجج المخاطِب المذهبي في الإقناع ؟ وهل إذا توهّم الإقناع فهناك مَن يخاطب بطريقة مغايرة لتعمية الناس وتضليلهم؟ وهنا أدفع الأسئلة في وطن علامات الإستفهام بحثاً عن الانتماء لوطنٍ أُحادي أو متعدّد الأوطان تلمّساً للًغة العذرية المشتركة في النص الدستوري حيث "نهائيّة الوطن وعروبته وانتماؤه".
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com