نعايش يوميا فقر التطوير في بلداتنا العربية ونتألم لضائقة السكن والبطالة التي يرزح تحت وطئها شبابنا وشاباتنا. وفي خضم هذا المشهد طالعنا أمس الاثنين بترقب مشوب بحذر وفرحة غامضة, مراسم توقيع بلدية أم الفحم أول اتفاقية سقف في المجتمع العربي بالبلاد وهي اتفاقيات لم تشمل سابقا بلداتنا العربية على الرغم من توقيع 32 اتفاقية سابقة منذ تحديثها في 2013. وستبدي لنا الأيام ان كان الحديث يدور عن تغيير جذري بسياسات الحكومة اتجاه احتياجات المجتمع العربي أم أنها قضية اجتهاد شخصي.
وبعد واجب المباركة والفرح لإخوة لنا, فانه بمراجعة الاتفاقيات السابقة مع السلطات الغير عربية وبالإطلاع على بعض ما نشر عن إشكاليات تنفيذها, تعلو الحاجة الى التعلم من أخطاء الماضي اضافة الى ملائمة الاتفاقية لخصائص السلطة المحلية العربية بما فيها البنية الجغرافية، السكانية، الاقتصادية والاجتماعية إضافة الى دراسة قدرة السلطة المحلية بأذرعها على استنفاد الميزانيات وتطبيق المشاريع.
وبالعودة الى الوراء فان آلية اتفاقية السقف ظهرت بالبلاد في التسعينيات ثم جددت في سنة 2013 حيث كان الاتفاقية الأولى من نصيب كريات جات، وبعدها وقعت اتفاقيات عدة في السنوات 2014-2019 وآخرها مع مدينتي حيفا والقدس. واتفاقية السقف هي اتفاقية ما بين الدولة ممثلة بسلطة دائرة أراضي إسرائيل، وزارة الإسكان، وزارة المالية وما بين السلطة المحلية تهدف بالأساس الى زيادة وحدات السكن في نطاق السلطة المحلية حيث يلعب عامل السرعة بالتنفيذ دورا مهما, ويرافق الاتفاقية تطوير بالبنى التحتية والمؤسسات العامة.
وفق الاتفاقية تلتزم الدولة بتخصيص ميزانيات تمويل مسبقة لبناء مؤسسات عامة وتعليمية وبنى تحتية فيما تلتزم السلطة المحلية بمنح تراخيص بناء خلال 90 يوما.
وبمراجعة حيثيات التطبيق في السلطات المحلية التي وقعت الاتفاق في سنوات سابقة، نرى انه رافقته إشكاليات عدة ففي كريات جات كان تأخير في منح تراخيص البناء إضافة الى سوء تنفيذ البنى التحتية. أما في روش هعاين فلم يكن هناك التزام بالجدول الزمني الذي نصت عليه الاتفاقية واشتكى سكان الحي الذي أقيم وفقها من سوء البنى التحتية.
إزاء هذه التجارب فانه لزاما على السلطات المحلية التي تنوي خوض التجربة أن تدرسها من جوانب عدة لتفادي عثرات من سبقوا للتوقيع.
زيادة الوحدات السكنية في السلطة المحلية بمدة زمنية قصيرة من شأنه أن يثقل على ميزانية السلطة المحلية وربما الى تردي مستوى الخدمات
في مقال لميراف موران في صحيفة ذا ماركر والذي نشر ب 21.4.2017 بعنوان " القفز عن السقف" تطرقت الى واقع تنفيذ الاتفاقيات في 14 سلطة محلية قد وقعت الاتفاقية حتى سنة كتابة المقالة في ال 2017 وعن الازمة المالية التي آلت اليها تلك السلطات المحلية وصعوبة توفير الخدمات للأحياء الجديدة التي بنيت وفق هذه الاتفاقيات.
وفق ميراف فإن فشل السلطات المحلية في بناء وحدات سكنية جديدة بنفسها وبالسرعة المطلوبة لسد الطلب على وحدات السكن, دفع الدولة لإبرام هذه الاتفاقيات والالتزام بدعم ومساندة السلطة المحلية بدفع تكلفة تطوير البنى التحتية والمؤسسات العامة والتي من المفروض أن تمول الدولة قيمتها من المبالغ التي تجمع من أصحاب القسائم بعد تسويقها.
في الاتفاقيات السابقة تبين أنه لا يكفي أن تمول الدولة تكاليف التطوير أو تبني المؤسسات العامة فمع بناء وحدات سكنية جديدة وأحياء جديدة عجزت السطات المحلية على تقديم الخدمات الأساسية اللازمة لسكان تلك الأحياء بسبب عدم قدرة ميزانية السلطة المحلية على تحمل مصاريف تلك الخدمات كما عجزت عن تشغيل القوى العاملة ودفع مصاريف تفعيل المؤسسات العامة التي بنيت في هذه الأحياء. ومن المعروف أن معظم دخل السلطات المحلية يعتمد على جباية الأرنونا بحيث أن زيادة عدد الوحدات السكنية بدون زيادة بالمساحات المعدة للصناعة والتجارة والتي تضمن مدخول من أرنونا المصالح التجارية سوف يؤدي الى هبوط حاد في الدخل من الأرنونا للمواطن وبالتالي الى تردي الخدمات المقدمة من السلطة المحلية، تقليصها أو عدم توفيرها.
نظريا, هناك إمكانية أن تطلب السلطة المحلية من وزارة الداخلية رفع رسوم الأرنونا للمصالح التجارية ولكن قد يؤدي ذلك الى هجرتها لخارج البلدة. في بلداتنا العربية يبدو الأمر أكثر سوءا حيث أننا نعاني من نقص شديد في الأماكن المخصصة للصناعة والتجارة ومن تعرقل إقامة مناطق صناعية وتشغيل برغم السعي الحديث والنضال المستمر. أضف الى ذلك نسبة جباية الأرنونا المنخفضة وقلة دخل السلطة المحلية من أرنونا المصالح التجارية للأسباب التي ذكرت أعلاه.
لذلك برأينا على السلطة المحلية التي تعزم على خطوة كهذه أن تعمل على زيادة دخلها من أرنونا المصالح التجارية إن كان عبر زيادة المساحات المخصصة للصناعة والتجارة وإن كان عبر تعزيز منظومة الجباية. وحتى يتم لها ذلك من الضروري أن تدعمها الدولة بميزانيات خاصة مؤقتة تضمن تفعيل الخدمات للأحياء الجديدة في الفترة الأولى من افتتاحها. اذا لم يتم حل هذه الإشكالية فأنه من المرجح أن تنضم الأحياء الجديدة للقديمة شكلا ومضمونا وبذلك لن تتحقق صورة الحي الراقي بمستوى الخدمات التي يطمح اليه المواطن العربي ونسعى اليه جميعا.
عدم القدرة على تنفيذ الالتزام بمنح رخصة بناء خلال 90 يوما
إشكالية أخرى رافقت التطبيق في البلدات المختلفة هي عدم القدرة على تنفيذ الالتزام بمنح رخصة بناء خلال 90 يوما وقد امتدت الفترة في كريات جات,على سبيل المثال, الى سنتين فبقي الوعد ببناء وحدات سكنية بفترة زمنية قصيرة حلما على ورق.
حجم الوحدات السكنية المزمع بنائها
في روش هعاين اعترضت السلطة المحلية على عدم اشراكها في قرار حجم الوحدات السكنية من ناحية المساحة وعدد الغرف لتأثير ذلك على نوع وعمر الساكنين في تلك الوحدات، فمن المعروف أن جذب الفئة الشبابية يكلف السلطة المحلية أكثر من كبار السن. ان هذه الإشكالية ربما عكسية في مجتمعنا العربي فنحن معنيون بتوفير حلول سكن للأزواج الشابة مع أولاد مع الأخذ بعين الاعتبار الحاجة لوحدات سكنية صغيرة.
تكلفة الوحدة السكنية العالية في مشروع "سعر للساكن" מחיר למשתכן في كريات جات
ان الاتفاقيات تحوي بندا بتنفيذ مشروع بناء وحدات سكن "سعر للساكن" على أراضي الدولة. خلال تنفيذ المشروع في كريات جات وبسبب طريقة التسويق التنافسية سعر الوحدة السكنية كان باهضا لذلك نرى أنه من المهم اختيار طريقة التسويق التي تضمن أقل سعر للمواطن.
جباية رسوم تطوير היטל פיתוח
بحسب اتفاقية السقف، على السلطة المحلية أن تجبي رسوم تطوير היטל פיתוח حسب القانون المساعد الخاص بها. في سلطاتنا المحلية العربية هناك إشكالية في الجباية بشكل عام وفي جباية رسوم التطوير هذا ان وجد قانون مساعد يمكنها من ذلك. في نطاق الخطة الاقتصادية الحكومية 922 شجعت الدولة السلطات المحلية العربية على تشريع القوانين المساعدة لكنها لم تنجح جميعها بذلك.
وان نظرنا الى البعد الاجتماعي فهو حاضر بقوة فعلى المواطن العربي الراغب بالتطوير وبتحسين جودة الحياة أن يلتزم بالقوانين المساعدة ويدفع رسوم التطوير، وهي مبالغ ليس بقليلة، أسوة بالبلدات اليهودية.
ان الحاجة الى التغيير بنمط تفكير المواطن العربي من حيث مشاركته بتطوير بلدته وكونه شريكا فعالا تطفو على السطح في كل مرة نتحدث فيها عن التطوير الاقتصادي واستنفاد الميزانيات الحكومية.
اليات العمل بين المؤسسات الحكومية المختلفة المشاركة والغير مشاركة
في كريات جات نشب خلاف بين الأطراف حول تطبيق الاتفاقية أدى الى عرقلة في التنفيذ. عدم الثقة بين السلطة المحلية وأطراف الاتفاق الأخرى وتراشق الاتهامات وضع الاتفاقية على المحك. السلطة المحلية رفضت تمرير رسوم التطوير التي جبتها من المواطنين لسلطة أراضي اسرائيل التي بدورها واجهت الادعاء انها لم تف بالتزاماتها اتجاه المقاولين. وكعاملة في مجال استنفاد الميزانيات أعرف حق المعرفة كم من الممكن لخلافات كهذه أن تجمد استنفاد الميزانيات والخطة الاقتصادية 922 خير دليل.
من هنا خلق اليات عمل وشراكة مبنية على الثقة هو أمر أساسي من المراحل الأولى للتنفيذ.
المبنى التنظيمي للسلطة المحلية وقدرتها على التنفيذ
لعل أكثر العوامل التي تضر باستنفاد الموارد الحكومية هو المبنى التنظيمي للسلطة المحلية والذي لا يمكنها من تنفيذ المشاريع المختلفة ومتابعتها لنقص في القوى العاملة وعزوف الخبرات المهنية من العمل في السلطات المحلية لظروف وأجور العمل المتدنية نسبيا. وقد نشر المحاسب العام في وزارة المالية في شهر تموز الأخير تقريرا يفيد أن الدولة صادقت حتى 2020 على 35 مليارد شيكل لاتفاقيات السقف لبناء 426 ألف وحدة سكن بني منها 197 ألف فقط علما أن الحديث يدور عن اتفاقات وقعت في السنوات 2013-2019.
لذلك من المهم جدا اختيار الجسم المهني المسؤول عن التنفيذ للأهمية وليس بالضرورة أن تقوم السلطة المحلية بذلك بنفسها.
وختاما، فبرغم أن الاتفاقيات لاقت بمعظمها اشكاليات عدة في التطبيق الا انها من الممكن أن تكون حلا لأزمة السكن والتطوير اذا لم توجد البدائل ولكن بشرط المطالبة بتغيرات جذرية تضمن نجاح تنفيذها. كما انه من المهم تحديد معايير شفافة لاختيار السلطة المحلية، عدد وحدات السكن ومبلغ الدعم فبعد مقارنة مبالغ الدعم التي تلقتها السلطات المحلية المختلفة يتبين انه هناك فرق شاسع فبعضها استحق الملايين والبعض الاخر المليارات دون علاقة بعدد وحدات السكن التي أقر بنائها.
* منى مصالحة، اقتصادية ومحامية
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com