كان الأخ الصديق والحبيب محمود الناطور"أبوالطيب" قد وصل البلاد في فلسطين، ولم نتمكن من لقائه كما عادة لقاءاتنا الثرية التفاكرية السابقة معه، فكانت له رسالة جميلة بعد رجوعه لعمّان، وكان مني الرد، حيث نرفق رسالته والرد
الاخ والقائد محمود الناطور "أبوالطيب" حفظه الله
تحية الوطن
عندما كان العمل العسكري والميداني والسياسي للثورة الفلسطينية يسير وكأنه في مسار مختلف عن الفعل الثقافي الفكري بحيث أن الأنظار لم تكن مركّزة الا عليه ، ومهما كان الفعل الثقافي يطلّ برأسه ليحاول أن يثقف السيف، كان أبوالطيب يجمع بين الأداتين أوالفعلين الثوريين –ضمن قلّة قيادية-بطريقة ساحرة لم تتخلى عن الأولى وأبرزت الثانية بمنطق الفنان القادر على المزج بين الألوان في لوحة بديعة، أو بمنطق التوازن القادر على التعاطي مع النقائض دون الإضرار بالمباديء، وبعقلية عملية تحافظ على المكتسبات الآنية وترسم للأجيال وفي المستقبل هدفًا كبيرًا.
هكذا كان أبوالطيب الذي عرفته يحمل البندقية على كتف والكتاب الثري بيده الأخرى، وسار بنا بين المدارس الثورية الميدانية، وتلك الفكرية. فلم تخلُ مساهماته الأولى من عمق نظروانجاز مشهود، ولا مساهماته اللاحقة في الإطار الفكري الثقافي من هدف ظاهر وهدف خفي.
وإن كان الهدف الظاهر ثقافة رحبة متسعة، وتحليل سياسي عميق، واستحضار للتاريخ بقصد التعليم والتربية والتحريض والتحفيز، فإن الهدف الخفي لدى أبوالطيب هو رسالة قد تدركها العين الخبيرة لكل الأجيال القادمة لتستطيع أن تتخطى العقبات في زمن السيولة السياسية، و"السهولة" الموقفية.
يتخذ الكثيرون موقفهم "السهل" وكأن الأمر يقف عند حدود القول ! أو عند حدود النقر على لوحة المفاتيح أو عند حدود المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا استدراجًا للاعجابات الافتراضية! دون التتويج اللازم أي بالفعل الناجز، والمقصود هو الفعل الهاديء والرزين والمتزن ذو الديمومة، والعميق والمهدف ما يفشل به الكثيرون أصحاب السهولة من مدارس الثرثرة السياسية التي لا تقيم للفعل الناجز وزنًا.
لمن يتبوأ موقعًا متقدمًا في الساحة السياسية قد يظن نفسه امتلك لقب البطولة بانه أصبح قائدًا! حتى لوكان من ذوي "السيولة أو السهولة" السياسية غير المكلفة! دون أن يكلف نفسه عناء الوعي أو الفهم أو التوازن أو مزج الالوان، أو بأن يقرن الكلام بالفعل، وما علم أن الشوط واسع بين ما هو عليه وبين سٍمة القيادة، وفي الاتجاه المقابل كان لدينا من القادة الكبار الكثير الذين فهموا المعادلة الصعبة وطبقوها فكانوا القدوة والنموذج والمثل وكان فيهم ومنهم أخونا اللواءأبوالطيب .
الاخ أبوالطيب الذي عرفته قديمًا واليوم لم يتغير عن مساره الانساني العميق والجماهيري الذي ميّزه عن كثير من "القادة" الذين كنت تراهم –بالامس واليوم-حين توليهم "المنصب" –وهو موقع تكليفي-يأنفون من الحديث مع الصغار (صغار السن أو من يرونهم أدنى منهم) بل ويستهينون بهم! وحينما يخرجون من موقعهم "في الأعلى" كما يظنونه في الأعلى فإنهم يتحولون الى متسولي علاقات جماهيرية!
أبدع أبوالطيب في العمل الميداني كما فعل في السياق الثقافي والسياسي، وفي سياقات أخرى من شخصيته المتكاملة، وكذلك الأمر لم يتخلى عن صفته الجماهيرية الانسانية ذات اللُطف والحدب واللباقة وإن ذلك لعمري لشيءٌ صعبٌ لا يستطيعه إلا من جاورُوا وعن قرب رمز فلسطين والثوار الأكبر ياسر عرفات، فكيف لمثل من جايله وصاحَبَه السنوات الطوال أمثال أبوالطيب ألا يكون النموذج الباقي والأصيل والثمين لجيل شهد كل المشاهد، وظل مواكبًا للحدث وأبدع في فهم وتحليل وتوسيع أدوات النظر للحاضر وفي محاولات رسم المسارات المستقبلية حين يحفر في عقل الشبيبة أمل الغد مسارات الخلاص.
أكتب هذه الكلمات البسيطة ردّا على رسالتك يا أخ أبوالطيب الحبيب مقدّرا كل التقدير ما تقوم به، ومقدرا كل التقدير تلك الحوارات المستمرة التي تجمعنا في المنتدي الثقافي أي في منزلكم العامر أينما حللتم.
لكم كل الاحترام فيما تعملونه وكل الوقت، وهذا من تقديركم الجميل في جميع الاتجاهات.
أما عن تقرير عن تطورات الأوضاع فأنا بهذا الشان وغيره كما تعلم أظل جنديا من اجل فلسطين معكم حيث نسير الطريق الى منتهاه أو منتهانا علّنا نصل.
ودمتم فخرًا للثورة والقضية وفلسطين وفخرًا لنا جميعا.