في مثل هذا اليوم 28 سبتمبر من عام 1970 غادرنا إلى دار الخلود الزعيم الخالد جمال عبد الناصر
أهدي هذا المقال إلى روحه الطاهرة وإلى ذكراه العطرة وإلى كلّ عربي ومسلم ومسيحي وحرّ من أحرار هذا العالم:
يا جمال يا حبيب الملايين
يا جمال، ماشيين في طريقك مش ناسيين
يا جمال، يا حبيب الملايين
(الأغنية: كلمات صلاح جاهين، تلحين كمال الطويل، غناء عبد الحليم حافظ)
أنا واحد من هؤلاء الملايين المُحبّين العاشقين ل جمال عبد الناصر، سابقا وحاليّا ولاحقا
كم نحن بحاجة إلى أبي خالد في أيّامنا هذه، كي يُداوي الجراحات ويُلملم شظايا حُطامنا وتيهنا وإنكسارنا وتبعثرنا بين الأمم، قبائل وطوائف ومجموعات "هُلامية"، مُنتهكة من الغريب البعيد ومن القريب الداني، الحامل في يده "ورود سلام ابراهام"، لكن الكانز في عبّه حراشف وزعانف وأنياب ومخالب صهيون المسمومة الغادرة القاتلة
كُنا نلتصق بالمذياع صغارا، ويلتصق الشعب العربي الواحد، السيل الهادر من المحيط إلى الخليج، للإستماع لخطاب جمال عبد الناصر، خطاب وطني عروبي يُدغدغ عواطف وأحاسيس كل عربي، ويضخّ شحنة من العزّة والانفة والكرامة والإباء، وبأن مصير الشعوب العربية واحد في التحرر والاستقلال والسيادة، ومُناوشة المُعتدي والاستعداد الدائم والأكيد لتحرير فلسطين وتحرير الشعوب العربية من نير الاستعمار والجهل والتخلّف
كان يعيش حياة عاديّة، تُضاهي حياة أيّ مواطن مصري، مع عائلته، زوجته السيدة تحيّة كاظم وأولاده: خالد وهدى ومنى وعبد الحكيم وعبد الحميد
لم يكنز أموالا في البنوك ولا "تحت البلاطة"، ولم يسكن في القصور المُنيفة ولم يركب السيّارت الفارهة، وإنما بقي يسكن في بيته القديم المتواضع في منشيّة البكري
لم يشترِ يخوتا ولا لوحات لرسّامين عالميين بمئات ملايين الدولارات
كان واحدا من الشعب، ابن الشعب، البارّ، لهذا أحبّه الشعب وبكاه ولم يقبل منه أن يتنحّى بعد هزيمة عام 1967، مع أنّه تحمّل وحمل الهزيمة وتبعاتها كُلّها لنفسه شخصيّا، بينما أصرّ الشعب المصري ومن ورائه الشعوب العربية على أن "يُكمل جمال عبد الناصر المشوار"
"حنكمّل المشوار"
لقد سامحه الشعب المصري وغفر له الهزيمة الثقيلة المُدويّة في حرب حزيران 67، وطلب منه أن يستمر زعيما لمصر وللأمّة، وأن يُحضّر للثأر وردّ الإعتبار لجيش مصر ولشعب مصر وللأمة العربية أمام غطرسة الصهاينة
عهد جمال عبد الناصر، بغض النظر عن بعض "الشوائب" الداخلية، التي رافقت مسيرته، كان عصرا ذهبيّا عظيما لمصر وللأمة وللشعوب العربية، الخارجة لتوّها من تحت نير الإستعمار البريطاني والفرنسي، حيث توّجت ثورة الجزائر العظيمة بالنصر ودحر الإستعمار الفرنسي عام 1962، وكان لجمال عبد الناصر وللشعوب العربية مساهمات كبيرة في رفد ودعم ثوّار جبال الأوراس واطلس وصولا إلى النصر المؤزّر
كان اسم جمال عبد الناصر عَلَمَا، نجما، قمرا يتلألا في سماء المجد في تأسيس وانشاء حركة دول عدم الانحياز إلى جانب جوزيف بروز تيتو وجواهر لال نهرو وأحمد سوكارنو ونكروما والعديد من زعماء دول العالم الثالث، حيث شكّلت هذه المنظمة "جدارا" وسطا بين الكتلتين المُتناحرتين، خلال الحرب الباردة، الكتلة الغربية المنضوية في حلف شمال الأطلسي، بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، والكتلة الشرقية المنضوية في حلف وارسو، بزعامة الإتحاد السوفييتي
سعى جمال "أبو خالد" لتوحيد الأمّة العربية وشعوبها، لهذا أقدم على خطوة الوحدة بين مصر وسوريا في شباط عام 1958، بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوّتلي والمصري جمال عبد الناصر، وأصبحت الدولة التوأم الوليدة تسمى الجمهورية العربية المُتحدة، يرأسها جمال عبد الناصر والقاهرة عاصمتها
عندما توفي جمال عبد الناصر في أيلول (سبتمبر) عام 1970 لم يجدوا في رصيده البنكي اكثر من ألفي جنيه
جنازته كانت من أضخم الجنازات في مصر وفي العالم في القرن العشرين
وقد عاشت عائلته من بعده حياة عادية، توظّف اولاده وتزوجوا مثلهم مثل أي مواطن مصري
ويوم وفاة جمال عبد الناصر كنّا فتيانا صغارا، وكان التلفزيون في بداية وصوله إلى الأرياف والقرى الفلسطينية بالأبيض والاسود، وكان الراديو هو الوسيلة الأسهل والأهم للمتابعة
خرجنا حينها ب"نعش رمزي" يُمثّل نعش الزعيم عبد الناصر، وطفنا به في شوارع البلدة وأزقتها، في معظمها كانت ترابية، ونحن نصرخ ونردّد بانفعال ونعيد:
"بالروح بالدم نفديك يا جمال"
"رحمة الله عليك يا أبا خالد يا رمز العزّة والعروبة"
ويا جمال يا حبيب الملايين يا جمال، ماشيين في طريقك ماشيين
يا حبيب الملايين
كاتب ودبلوماسي فلسطيني