يرى البعض من ذوي العقول المحدودة التفكير أو هؤلاء الذين ليس لديهم بعد تفكيري منطقي وتحليلي، أن الناقدين للنهج الإيراني، يلتقون في مكان ما مع النهج الإسرائيلي، وهذه طبعاً قمة التخلف السياسي وقصر النظر في فهم الأمور. موقفنا من إسرائيل واضح مثل غين الشمس: دولة احتلال تمارس شتى أنواع القمع والإضطهاد ضد الشعب الفلسطيني، ومن حق هذا الشعب مقاومة المحتل، والمقاومة مشروعة من أجل تقرير المصير وهذا ما أكدته كافة مواثيق الأمم المتحدة.
القاسم المشترك (الحقيقي) بين إيران وإسرائيل هو الكره الأعمى للعرب تاريخاً وحديثاً. ذات يوم التقيت دبلوماسياً إيرانيا عند صديق لي (صحفي لبناني الجنسية شيعي المذهب) ودار الحديث عن الأوضاع السياسية العربية والعالمية. فطلبت من الدبلوماسي أن يصارحني بموضوع العلاقة الحميمة بين إيران وإسرائيل. الدبلوماسي الإيراني كان منفتحاً على كافة الأمور ويتسم بالواقعية. فطلب مني وعداً أن لا يكون حديثنا للنشر، فوعدته. وكان ذلك قبل 37 سنة في بيروت. بمعنى أن (الوعد بطل مفعوله).
أجاب الدبلوماسي الإيراني بكل صراحة:" أن إيران لا يمكن أن تنسى أن العرب هم الذين حطموا الإمبراطورية الفارسية في معركة القادسية،ولذلك لا تستغرب تحالف إيران مع إسرائيل أو مع أي جهة تكره العرب". كلام واقعي والدليل أيضاً دعم إيران لأمريكا في حربها على العراق.
اللواء علي غلام رشيد قائد ما يسمى بـ”مقر خاتم الأنبياء” في الحرس الثوي الإيراني صرح قبل أيام "بأن قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس، أعلن قبيل مقتله بثلاثة أشهر أنه قام بتنظيم ستة جيوش بدعم من قيادة الحرس الثوري وهيئة الأركان العامة للجيش، وهي حزب الله اللبناني، قوات النظام في سوريا، الحشد الشعبي العراقي، ميليشيا الحوثيين في اليمن، وحركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهذه الجيوش الستة تحمل ميولاً عقائدية ومهمتها الدفاع عن إيران ضد أي هجوم."
نحن نحترم منظمتي "الجهاد الإسلامي" و "حماس" كمنظمتين تناضلان ضد الاحتلال الإسرائيلي. بمعنى أن المهمة الوحيدة لهذين التنظيمين الفلسطينيين هي مقاومة المحتل. لكن أن يتحول التنظيمين إلى فصيلين للدفاع عن إيران بالدرحة الأولى، فهذا أمر غير مقبول فلسطينياً. حركة الجهاد الإسلامي، لم تتقبل ما ذكره المسؤول الإيراني وقامت بالرد عليه في بيان نشرته وكالة الأناضول، قالت فيه: " إن مقاومة الشعب الفلسطيني موجودة منذ تأسيس المشروع الصهيوني، واحتلاله لفلسطين، وليست مرتبطة بأي هدف آخر”. بيان تنظيم "الجهاد" واضح تماما ونفي لما ورد في تصريح المسؤول الإيراني. لكن حركة حماس لم بصدر عنها أي تصريح لغاية الآن.
فهل يعني أن سكوت حماس علامة الرضى على تصريح اللواء الإيراني؟ فإذا لم يكن كذلك، فبأي خانة يجب أن نضع سكوت حركة حماس؟ والسؤال المطروح أيضاً ما هي الأسباب التي دعت اللواء الإيراني للإدلاء بهذا التصريح في هذا الوقت بالذات؟
من حقنا أن نتساءل ومن حقنا أن نحلل، خصوصاً أن حماس هي منظمة تحرر فلسطينية، وليست تنظيماً شيعياً. المعروف أن إيران أصبحت في الفترة الأخيرة مرجعاً سياسياً وعسكرياً لتنظيمات موجودة فبي أربع عواصم عربية، لدرجة أنها تملك مفاتيح الحلول فيها: بغداد،دمشق، بيروت وصنعاء. ويبدو أنها تريد أيضاً أن تضم غزة إلى هذه العواصم.
لا نريد التسرع في التحليل ولكن تأخير "حماس" في الرد يدعو إلى التساؤل بقلق عن مدى ارتباطها بإيران بمعنى مدى أبعاد هذا الإرتباط. حركة "حماس" تعرف تمام المعرفة أن تصريح اللواء علي غلام رشيد يعني تجريدها من ثوبها الوطني الفلسطيني وتحويلها إلى أداة من أدوات إيران العسكرية في المنطقة. وقد يكون التصريح الإيراني يستهدف زرع بذور شك في حركة حماس، وكل الاحتمالات مفتوحة. لكن على حركة حماس التحرك فوراً للرد على التصريح الإيراني.
تصريح المسؤول الإيراني، قد يكون أيضا بأمر من القيادة الإيرانية لتوجيه رسالة للقاهرة وإسرائيل بأن حماس لا تتصرف وحدها بل بتنسيق مع طهران، وأن الأمر لا يتوقف فقط على تعاون بناءً على أطر إيديولوجية ومنها (أسطوانة تحرير القدس) بدعم إيران. يستدل من تصريح علي غلام رشيد، أن طهران تقرر في غزة أيضاً، الأمر الذي يسبب إزعاجا كبيراً للقاهرة التي تبدي اهتماماً واضحاً بمسك زمام الأمور في قطاع غزة بموافقة إسرائيلية بسبب الثقة الموجودة بين مصر السيسي وإسرائيل، التي تعتقد بأن الأمور تسير يشكل مقبول ما دام السيسي له باع في إدارة الصراع ومراقبته بين غزة وإسرائي.
فهل تفعلها "حماس" وتصدر بيان رد على اللواء الإيراني كما فعلت "الجهاد"، أم أن السكوت من ذهب، ليبقى المال متدفقاً عليها من طهران؟ سؤال مشروع بحاجة إلى جواب.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com