في محاولة للالتفاف على حقوق أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، البقاء في أراضيهم ومنازلهم الذين يمتلكونها بشكل قانوني وشرعي، وما وجده الأهالي من دعم ومساندة فلسطينية دولية لهذه الحقوق، اقترحت المحكمة الإسرائيلية العليا تسوية تعتبر أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" باعتبار أن هذه التسوية تقدم "حلا وسطا بشأن إخلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح".
ووفقا لهذا الاقتراح المقدم إلى الطرفين (العائلات الفلسطينية وجمعية استيطانية)، سيتم الاعتراف بالعائلات الفلسطينية كـ"مستأجرين محميين" مدة 15 عاما، أو حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر. وخلال هذه الفترة ستدفع العائلات الفلسطينية التي تقيم في منازلها المهددة بالمصادرة الإيجار لجمعية "نحلات شمعون" التي تدعي ملكيتها للأرض التي أقيمت عليها المنازل.
ويذكر أن 28 عائلة فلسطينية تقيم في منازلها المهددة بالمصادرة، منذ عام 1956، بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس، قبل احتلالها عام 1967) ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" (UNRWA).
وتدعي جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ترفضه العائلات الفلسطينية، بناء على الوثائق القانونية التي بحوزتهم.
وقد واجهت العائلات الفلسطينية وأهالي حي الشيخ جراح والمقدسيين بكل قوة وبسالة خلال السنوات الطويلة الماضية، كل المخططات الإسرائيلية التي كانت ترمي لتهجير هذه العائلات الفلسطينية من منازلها، ليتسنى للمستوطنين الاستيلاء عليها والإقامة فيها، في إطار سياسة التهجير التي تمارسها حكومة الاحتلال بحق المقدسيين، وعندما فشلت كل وسائل القمع والتنكيل التي مارستها قوات الاحتلال لتنفيذ هذه السياسة، بفعل صمود هذا أهالي الحي، ووقفات التضامن الشعبية معهم، لجأت سلطات الاحتلال والمحكمة الإسرائيلية العليا طرح هذه التسوية لتحقيق ما عجزت عنة وسائل القمع والترهيب والتنكيل التي مارسته ضد أهالي حي الشيخ جراح والمقدسيين المساندين لهم.
ومثلما كان موقف أهالي حي الشيخ جراح واضحا في رفض إجراءات ترحيلهم من منازلهم بالقوة، ومثلما كان صمودهم وتصديهم لمحاولات ترحيلهم قويا وشجاعا، جاء ردهم أكثر قوة ووضوحا وثباتا في رفض هذه التسوية التي عرضتها عليهم المحكمة العليا الإسرائيلية، القاضية بتحويلهم من مالكين لأرضهم ولمنازلهم إلى مستأجرين لها، من قبل المستوطنين الغاصبين لها، بدعم ومساندة من حكومة الاحتلال ومن القضاء والمحاكم الإسرائيلية، الداعمين للمستوطنين.
حيث رفض أهالي حي الشيخ جراح بالإجماع التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا والتي تعتبر أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" والتي تُمهد لمصادرة حق الأهالي في أراضيهم بشكل تدريجي.
وجاء في بيان أهالي الحي الذي صدر في اليوم الأخير من المهلة التي حددت لهم للرد على التسوية الذي يوافق يوم الثلاثاء 2/11/2021 بأن هذا الرفض "يأتي انطلاقا من إيماننا بعدالة قضيتنا وحقنا في بيوتنا ووطننا بالرغم من انعدام أي ضمانات ملموسة لتعزيز وجودنا الفلسطيني في القدس المحتلة من قبل أي جهة أو مؤسسة". وأضاف الأهالي في بيانهم أن محاكم الاحتلال وخلال المسار القانوني تهربت من مسؤوليتها في إصدار الحكم النهائي، وأجبرتهم على الاختيار بين التهجير من بيوتهم أو الخضوع لاتفاق ظالم، معتبرين ذلك امتدادا لسياسات استعمارية تهدف لشرذمة التكافل الاجتماعي الذي حققه الشعب الفلسطيني في الهبة الأخيرة، ومحاولة لتشتيت الأضواء عن الجريمة الكبرى، وهي التطهير العرقي الذي يرتكبه الاحتلال ومستوطنوه.
أهالي الشيخ جراح حمّلوا حكومة الاحتلال كامل المسؤولية عن سرقة منازلهم، كما حمّلوا المسؤولية لكل من السلطة الفلسطينية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) والأردن التي بنت وحدات الشيخ جراح كمشروع لإسكان اللاجئين عام 1956 وأعطت اللاجئين الحق الكامل في ملكية الأرض. وفي ختام بيانهم، طالب أهالي الحي المجتمع الدولي بالوقوف عند مسؤولياته ليردع المحاكم الإسرائيلية عن طردهم من الحي الذي سكنوه ودافعوا عنه لعقود. وتلقى المقدسيون والمتابعون للقضية هذا البيان بارتياح خاصة أنه جاء بعد أشهر من تصدر قضية تهجير أهالي حي الشيخ جراح الساحة المحلية والعالمية، والتضامن الواسع معها وتدخل المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة في هذه القضية وإعلان الحرب في أوج التضييقات والانتهاكات التي مورست بحق السكان والمتضامنين.
يذكر أن المحكمة الإسرائيلية العليا أصدرت قرارا بتاريخ الرابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي اقترحت من خلاله تسوية تعتبر فيها الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" مالكة للأرض وسكان الحي مستأجرين محميين ويمثلون الجيل الأول في الحماية. وأصدرت الهيئات الوطنية والإسلامية موقفها من القرار قائلة إن مقترح التسوية المقدم من المحكمة لا يلبي طموحات السكان ولا الموقف الوطني، فسكان حي الشيخ جراح هم المالكون الأصليون لأرضهم، وإنه لا توجد أي حقوق للجمعيات الاستيطانية في هذه الأرض كونها مُلكت للسكان من قبل الحكومة الأردنية، بعد اتفاق مع وكالة الغوث واللاجئين، وهذا يلزم حكومة الاحتلال باحترام الاتفاقيات التي عقدتها الحكومة الأردنية مع السكان. وتعيش 28 عائلة ممتدة لاجئة على مساحة 18 دونما في "كرم الجاعوني" بالشيخ جراح ويبلغ عددهم 500 فرد مهددين بالإخلاء لصالح الجمعيات الاستيطانية التي تدعي ملكيتها للأرض.
ان دعم صمود أهالي حي الشيخ جراح المهددين الآن بالترحيل والتهجير من منازلهم، خاصة بعد رفضهم للتسوية التي طرحتها المحكمة العليا الإسرائيلية، هي مسؤولية وطنية وعربية ودولية، ولا يجوز تركهم بدون دعم واسناد، بعد التضحيات الكبيرة التي قدموها للدفاع عن حقوقهم ومنازلهم وأراضيهم، ويجب توفير كل أشكال الدعم والتضامن معهم، حتى تحقيق مطالبهم وحقوقهم العادلة والمشروعة في البقاء في أرضهم ومنازلهم باعتبارهم هم المالكون وأصحابها الحقيقيون، وليس المستوطنين الغاصبين لها بدعم من قوات وحكومة الاحتلال، وذلك بما يخالف القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.