المعروف عن الجزائر شعباً وحكومة، أنها مع الشعب الفلسطيني، ومعروف عنها موقفها ضد السياسة الإسرائيلية واستحالة الإعتراف بالدولة العبرية مقابل أي مغريات مهما كانت. والقضية الفلسطينية خط أحمر في الجزائر. هذا الإنطباع اكتسبته خلال زياراتي العديدة لبلد جميلة بو حيرد وأحمد بن بلاّ. وليس من المستغرب أن يخرج من هذا البلد بطل رياضة الجودو فتحي نورين الذي منعه حسه الوطني وتربيته تجاه فلسطين من مقابلة رياضي من بلد طالما تعلم أنه "عدو" للجزائر كونه اغتصب فلسطين من أهلها.
فتحي نورين عنده كرامة وطنية، وعنده حس وطني قومي عربي ويضع فلسطين نصب عينيه في كل مباراة دولية. فقد أعلن نورين اعتزاله نهائياً عن ممارسة رياضة الجودو وذلك بعد القرار الذي أصدرته اللجنة الأولمبية الدولية في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، إيقافه عن اللعب لمدة 10 سنوات من جميع المنافسات الرسمية، والتي اعتبرها نورين والعالم الحر عقوبة شديدة ضد الجزائري فتحي نورين ومدربه عمار بن يخلف، على خلفية انسحابه من مواجهة الإسرائيلي توهار بوتبول في أولمبياد "طوكيو".
بدون شك تصرف نورين كان من أجل القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، وكان بإمكانه مواصلة المشاركة ومواجهة اللاعب الإسرائيلي، لكن كرامته ام تسمح له بذلك. فقد اعتبر فلسطين وقضيتها شرفاً له يجب الدفاع عنه واعتبر أن المواجهة مع الإسرائيلي توهار هي خيانة للقضية الفلسطينية، ففضل الانسحاب من المواجهة. وهو الذي قال:" قررت الاعتزال، والاتجاه للعمل في مجال التدريب ولن أتوقف أبدا عن نصرة القضية الفلسطينية مهما حدث"
وكان نورين قد أعلن انسحابه من منافسات الجودو لوزن ما دون 73 كلغم، بعد أن أختارته القرعة ضد السوداني محمد عبد الرسول، في الدور الأول، مع احتمالية أن يلتقي في الدور الثاني بالمنافس الإسرائيلي توهار بوتبول. وقال نورين في تصريحات لوسائل إعلام جزائرية، بعد القرعة، حينها: "قرار الانسحاب لا رجعة فيه.. نحن متضامنون مع القضية الفلسطينية، وموقفي ثابت فأنا أرفض التطبيع بكل أشكاله حتى وإن كلفني ذلك الغياب عن الألعاب الأولمبية، سيعوضنا الله".
وقرر الاتحاد الدولي للجودو، حينها، إيقاف البطل الجزائري ومدربه، وسحب اعتمادهما في الأولمبياد وعودتهما إلى الجزائر، مع فتح تحقيق شامل في القضية. ونشر الاتحاد بيانا في موقعه الرسمي، ذلك الوقت، أكد فيه إصدار هذه العقوبة الأولية قبل إصدار عقوبة نهائية ورسمية عقب اجتماع لجنة الانضباط التابعة له عقب نهاية الألعاب الأولمبية.
تصوروا أن هذا الرياضي الجزائري الشاب انسحب من المواجهة مع نظيره الإسرائيلي، لأنه يعرف أنه يمثل دولة عدوة للجزائر ودولة احتلت الأرض الفلسطينية ودولة لا تزال تمارس القمع والإضطهاد ضد الفلسطينيين وتدعم المستوطنين (اللمم) في اقتحاماتهم للأقصى المبارك. هكذا تعلم هذا الشاب في مراحل دراسته وفي مراحل تربيته ، وهكذا كبر على هذه التعاليم.
موقف هذا البطل الجزائري والمواطن العادي من إسرائيل يدفعني للمقارنة بينه وبين المواطن غير العادي الرئيس الفلسطيني محمودعباس، وأيضاً التساؤل: ألم يعرف أبو مازن عن إسرائيل بما يعرفه الرياضي الجزائري؟ طبعاً يعرف وأكثر من يعرف. ولو كان الرئيس "أبو مازن" لديه نفس الشعور بالإحساس لدى الشاب الجزائري، لأعلن انسحابه من التنسيق الأمني السيء السمعة، وانسحب من اتفاق أوسلو الذي أنتج هذا التنسيق.
يقولون ان الرئيس الفلسطيني لم يوقع على اتفاق أوسلو. وقد يكون ذلك صحيحاً، لكنه كان أحد المهندسين له، وبالتالي هو متورط فيه أيضاً. ولو كان أبو مازن غير مقتنع بالاتفاق لانسحب منه ومن التنسيق الأمني مع إسرائيل، لكنه بالعكس من ذلك اعتبر التنسيق الأمني مقدسا.
صحيح أن التاريخ الجزائري سيفتخر بضمه اسم بطل الجود الرياضي فتحي نورين، لكن التاريخ الفلسطيني سيكون أكثر اعتزازاً وفخراً بفتحي نورين، لأنه دافع عن كرامة فلسطين والفلسطينيين بينما قام الرئيس الفلسطيني بإذلال الفلسطينيين من خلال مواقف له تجاه إسرائيل.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com