لم يأبه الرئيس الإسرائيلي اسحاق هيرتسوغ (اليساري؟ّ!) للتحذيرات الفلسطينية ولم يهتم لها، كونها تحذيرات أشبه بفقاقيع هوائية لا تأثير لها بنظره، وقام بكل وقاحة بتدنيس الحرم الإبراهيمي في الخليل. ما فعله هيرتسوغ يذكرنا بحادثتين مماثلتين كانتا سبباً في اشتباكات دموية بين الفلسطينيين وقوات الإحتلال:
الحادثة الأولى وقعت في الخامس والعشرين من شهر فبراير/شباط من العام 1994 حيث اقدم الإرهابي اليهودي باروخ غولدشتاين على ارتكاب مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية، وكان وقتها منتصف شهر رمضان. وقد أودت العملية بحياة 29 مصليا كانوا يقومون بتأدية صلاة الفجر، قبل أن ينقض عليه مصلون آخرون ويقتلوه.
الحادثة الثانية وقعت في الثامن والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول العام 2000 حين قام شارون باقتحام الحرم الشريف بالقدس رغم معارضة شديدة شعبية ورسمية، وفي اليوم التالي انتهت صلاة الجمعة في المسجد الأقصى بمظاهرات ضد تدنيس شارون للحرم الشريف، الأمر الذي أسفر عن اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية والمصلين الفلسطينيين حملت اسم "انتفاضة الأقصى" التي استمرت 4 سنوات تقريبا.
القاسم المشترك الأول بين شارون وهيرتسوغ هو إقتحام الحرمين. الأول اقتحم الحرم القدسي الشرف والثاني اقتحم الحرم الإبراهيمي. شارون باقتحامه للأقصى مهد له الطريق للوصول إلى منصب رئيس حكومة، مما يعني أنه اختار تكثيف ممارساته المتطرفة ليقوم بتلميع نفسه أكثر فأكثر، وهكذا نجح شارون في الوصول إلى كرسي رئاسة الحكومة.
هيرتسوغ الذي سبق له وأن ترأس حزب العمل وقام مع شخصيات سياسية صهيونية أخرى بتشكيل "المعسكر الصهيوني"، وفشل في الوصول الى منصب رئيس الوزراء، يحاول أن يسير على خطى شارون ليلفت نظر الإعلام إليه والتركيز على شخصيته من خلال اقتحامه الحرم الإبراهيمي
يقول المحلل السياسي الفلسطيني توفيق أبو شومر في تحليل له:" كثر هم المتطرفون من بين قادة اليمين الإسرائيلي الذين لا يتوقفون عن تأجيج نار الغضب والتوتر، عبر التطاول على المقدسات الإسلامية، الخاصة بالحرم القدسي الشريف أو الحرم الإبراهيمي، وهنا نستذكر إيتمار بن غفير، موشيه فيغلين، والحاخام المتطرف يهودا غليك النائب عن الليكود، لكن ربما يكون الطريق الذي تعبد أمام بينامين نتنياهو، لبيرمان، بينيت وشاكيد، هو ما يعتبر حافزاً أمام المتطرفين اليمينيين لمواصلة هذا الطريق، ما لم يتم وضع حد لكل هذا الاتجاه، الذي لن يؤدي الا الى كوارث للمنطقة عموماً بما في ذلك إسرائيل نفسها."
ويبدو بوضوح أن عملية الاقتحام (بالسلاح) والتي قام بها الرئيس الإسرائيلي للحرم الإبراهيمي بدعم المستوطنين تبرهن على أن هيرتسوغ ليس يسارياً كما يدعي بل أعلن انحيازه التام لليمين الأكثر تشدداً في إسرائيل مع أنه ينتمي لحزب "العمل" الذي كان رئيسه في السابق.
إن زيارة هيرتسوغ للخليل واقتحام الحرم الإبراهيمي في وقت إعلان الحكومة الإسرائيلية عن بناء 372 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة (كريات أربع) المقامة على أراضي مدينة الخليل، تستهدف توجيه رسالة إلى الإسرائيليين مفادها أن هيرتسوغ هو أيضاً في خدمة اليمين وإن كان محسوباً على اليسار.
يقول المحلل السياسي أشرف العجرمي في هذا الصدد:" الرسالة التي يرسلها هرتسوغ للإسرائيليين وللفلسطينيين ولكل العالم، هي أن إسرائيل لا تفكر إطلاقاً على ما يبدو بإنهاء احتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية، وتصر على الاستيطان وتهويد المناطق المحتلة وقتل فكرة حل الدولتين وهي تأتي عشية إحياء الفلسطينيين والعالم المؤيد لحقوقهم العادلة يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني."