لا شك أن الاوضاع الصحية للمجتمع العربي تدعو للحزن الشديد على وضع المجتمع العربي في البلاد، المعطيات مذهلة بالمفهوم السلبي في كثير من المجالات الصحية ويتم نشرها من قبل مؤسسات مختلفة ومن قبل وزارة الصحة من خلال التقرير السنوي لعدم المساواة في الصحة. قبل عدة أسابيع كان قد بعث الدكتور زاهي سعيد مستشار المدير العام لشؤون المجتمع العربي في كلاليت برسالة بريد إلكتروني للطواقم العربية في كلاليت حيث تطرق فيها لمعطيات الصحة للمجتمع العربي مقارنة مع المجتمع اليهودي (بناء على معطيات لجنة بهذا الخصوص في كلاليت ولجنة أخرى من وزارة الصحة بأشتراك كثير من المؤسسات بما فيها مؤسسات المجتمع العربي)، لا مجال لسرد جميع المعطيات ولكنها سيئة جداً في معظم المجالات ومختصرها: في المجتمع العربي وفيات المواليد، السكري، السمنة، الاكتئاب بعد الولادة، التدخين، الجلطة الدماغية أعلى من المجتمع اليهودي. الوفيات التابعة لأمراض القلب، السكري، الجلطة الدماغية، المراض الجهاز التنفسي وحوادث الطرق هي بشكل واضح أعلى في المجتمع العربي. في الجانب الأخر مؤمل الحياة، أستعمال الخدمات الرقمية (דיגיטלים)، الثقة، النشاط الجسماني وتشخيص مُبكر هي أقل من المجتمع اليهودي.
في ظل هذه الظروف طلت علينا الكورونا لتُعريّ لنا الوضع المجتمعي والصحي بشكل كبير لتُظهر سؤء البنى التحتية، الخدمات الطبية والأهم الوعي المجتمعي في الجوانب الصحية بشكل عام وبهذا الوباء بشكل خاص، لنرى أن معدل جيل الوفيات الكورونا في المجتمع العربي هو 73 سنة مقارنة مع 78 لدى اليهود المتدينين و81 سنة لدى باقي المجتمع، هذا الفرق نابع من تأثير الامراض المزمنة والحالة الصحة السيئة لدى المواطنين العرب بما في ذلك فئة الشباب. هذا كله في ظروف غير أنسانية يعيشها بعض أبناء شعبنا في النقب في قرى غير معترف بها تفتقر لأبسط أساسيات الحياة مثل المياة والكهرباء والشوارع وغيرها.
بالمقابل تعالت الأصوات كثيراً في الفترة الأخيرة بخصوص الطواقم الطبية العربية في الجهاز الصحي، تفاخر كبير وأرى انه زاد عن المطلوب حتى وصل الى من ينادي الى أضراب الطواقم الطبية العربية في شهر مايو الأخير. بالطبع أن ازدياد أعداد الطواقم الطبية المختلفة مُبارك (والتي وصلت الى ما يقارب 38% من الصيادلة، 17% من أطباء الأسنان 11% من الأطباء في عام 2015) ولكن أقولها بشكل واضح أن العدد غير مهم والأهم هي النوعية والتميز، عندما يكون جزء كبير من المتخرجين في السنوات الاخيرة من جامعات أصبحت عملياً غير معترف بها من قبل وزارة الصحة وبالمقابل يظهر جلياً الفرق في القدرات المهنية بناء على الجامعات التي يتخرج منها الأطباء وطواقم التمريض. الأهم أن هذا العدد المتزايد لا معنى له على مستوى صحة المجتمع، طواقم طبية عربية أكثر ولكن صحة مجتمع أسوأ، كيف تتطابق هذه المعطيات مع بعضها البعض، في حين تتواجد مثل هذه الاعداد الكبيرة لهذه الطواقم الطبية اذا لماذا أستمرار هذا التدهور في صحة المجتمع؟ معظم العيادات اليوم في البلدات العربية يديرها ويعمل فيها أطباء وطواقم تمريض عربية؟ بالطبع هنالك كثير من التأثيرات السلبية في مجتمعنا والتي لها تأثير على الطواقم الطبية والتي قد تعيق عمل الطواقم بمهنية أو توصل الى اتخاذ قرارات تأثرت بجوانب غير مهنية. نحن بحاجة الى طواقم طبية متميزة على الجوانب المختلفة: المهني، الأكاديمي، البحثي والمجتمعي. فكم نسبة الأخصائيين في العيادات؟ كم عدد الأطباء، الممرضات والممرضين الباحثين؟ كم عدد الأطباء الممرضين والممرضات الذين يتطوعون في النقابات المهنية؟ دون تواجد الطواقم الطبية العربية في النقابات لن نستطيع أن نوصل صوتنا واحتياجتنا بعيداً وستبقى في دائرتنا المصغرة.
بالطبع أن المسؤولية الأولى والأخيرة هي على السلطات المعنية بشأن صحة المجتمع العربي وهي وزارة الصحة وصندوق المرضى كلاليت. وللموضوعية بالرغم من التقصير في جوانب مختلفة ولكن نرى أن التغير في التوجه واضحاً بما في ذلك أقامة هذه اللجان وتعيين مهنيين للعمل على التغيير وإشراك اكثر لمؤسسات المجتمع العربي، ولكن بالمقابل ما زال جزء من مجتمعنا وللأسف جزء من الطواقم الطبية تستغل الضغط على صناديق المرضى من أجل المصالح الشخصية الضيقة وبشكل أساسي التوظيف. بالمقابل لمسؤولية المؤسسات هنالك مسؤولية المجتمع العربي والطواقم الطبية والتي يكون لها الوقع والتأثير الأكبر لانها موجودة في الحقل وذات تأثير مباشر.
اذاً، في ظل هذه الظروف ما هو الحل؟ كيف السبيل للخروج من هذا الوضع؟
بداية علينا جميعاً تحمل المسؤولية بهذا الخصوص، المواطن البسيط، المجتمع، الطواقم الطبية، السلطات المحلية، مؤسسات التربية والتعليم، مؤسسات المجتمع المدني، القيادات المحلية، رجال الدين والمؤسسات السياسية بما فيها الأحزاب. هنالك مسؤولية شخصية لكل كشخص او مسؤول وهنالك مسؤولية مجتمعية جماعية.
لا بد أن يكون عمل كبير ومكثف بخصوص التوعية بالوضع الصحي والأمراض التي يعاني منها مجتمعنا وسبل التغيير، هذا العمل التوعوي يجب أن يكون مشترك لجميع الفئات المعنية التي ذكرت أعلاه. مجتمع واعي بخصوص الأمراض المنتشرة والحالات الصحية المختلفة هو حتماً سيتجه نحو التغيير وخاصة في نمط الحياة والذي هو أساس معظم الأمراض (التغذية المؤدية للسكري والسمنة، قلة الحركة والنشاط الجسماني، التدخين) وحتماً سيتجه أكثر نحو فحوصات الكشف المبكر عن الأمراض وحتماً سيستطيع أن يعرف حقوقه أكثر ويستغل هذه الحقوق سواء من خلال الخدمات العادية في صناديق المرضى او الخدمات الرقمية. هنالك دور مهم جداً وأستطيع أن أقول الدور المركزي الذي يستطيع يُغير الصورة وهو دور السلطات المحلية، وعي ودراية رئيس السلطة المحلية وطاقمه بخصوص الوضع الصحي في البلده من خلال أستغلال الموارد المتاحة في السلطة المحلية (او تعيين مُطّور للصحة) والعمل على أيجاد البنى التحتية الملائمة (مسارات مشي، برك سباحة، غرف لياقة بدنية) والعمل مع صناديق المرضى على تحسين الخدمات وأن تكون السلطة المحلية هي المحرك لجميع الفئات الأخرى التي كل منها له دور مهم، وجانب المدراس والأجيال الناشئة هو مهم جداً بمجتمعنا هو مجتمع شاب. وحتى أكون واقعي ومن واقع السلطات المحلية لست متفائل بشكل كبير بهذا الخصوص خاصة في ظل ظروف وقدرات أدراية ومادية معروفة للجميع في كثير من السلطات المحلية ونحن أمام أنتخابات سلطات محلية بعد عامين، وهنا لا بد أن نطالب من كل مرشح أن يكون جزء من برنامجه الجانب الصحي.
المطلوب من الطواقم الطبية أن تعمل لتكون في المستوى المهني الأفضل وأن تبقى في هذا المستوى، بالطبع هنالك أحتياج لعمل الطواقم الطبية التوعوي على المستوى العيادة بشكل مكثف بالمقابل على المجتمع التعاون مع هذه الطواقم، الطواقم الطبية يجب أن تكون قدوة للمجتمع ليس فقط في ساعات عملها وأنما في الحياة اليومية لأن الطواقم الطبية القادرة على أن تكون قدوة حتماً ستتعلم منها الأجيال الناشئة والأهم الأمانة والأخلاص في عملنا وعدم الأنجرار وراء المصالح الشخصية او المادية الضيقة.
المطلوب من المواطن أن يصبو الى صحة أفضل، أن يقوم بالتغير في محيطه الصغير وأن لا يتكاسل في المطالبة بحقوقه وخاصة على مستوى الخدمات التي يتلقاها، فهنالك نقص في الجانبين فقليل من الشكاوى التي تصل المسؤولين وأيضاً قليل من رسائل الشكر والأطراء للطواقم.
وزارة الصحة وصناديق المرضى عليها العمل بشكل كبير على تحسين منالية وجودة الخدمات الصحية وفحوصات الكشف المبكر وايضاً العمل على تحسين ثقة الجمهر بالخدمات والطواقم.
المبادرات المجتمعية لها دور، وجود مؤسسات مثل رابطة الأطباء العرب في النقب كان لها تأثير واضح على الجانب التوعوي للمجتمع النقباوي وايضاً جوانب ايجابية كثيرة تخص الأطباء بما فيها تنظيم مؤتمرات علمية بمستوى عالٍ تنافس اكبر الجمعيات المهنية في البلاد. نأمل أن يكون دور مهم على صحة المجتمع والأطباء من خلال مبادرة تأسيس رابطة الأطباء العرب القطرية والتي سترى النور خلال العام المقبل.
ختاماً، نصبو الى مستقبل صحي افضل للمجتمع العربي، العمل على تغيير وضع صحة المجتمع يجب أن يكون في كل مكان: العائلة المصغرة، المدارس، المساجد، الكنائس، السلطات المحلية، الجمعيات وغيرها بالمقابل علينا أن نُدرك ان نتائج العمل اليوم ستحتاج الى سنوات طويلة حتى نراها في النتائج الصحية، فهنالك حاجة للصبر وملائمة والتوقعات ولا مكان لخيبة الأمل. تمنياتي لكم بدوام الصحة والسلامة.
*د. نعيم أبو فريحة - رئيس رابطة الأطباء العرب في النقب
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com