الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 23:01

وخزات دبّوس 2 في عناوين مجهولة.. مُصادفة.. الذكريات الجميلة/ منجد صالح

منجد صالح
نُشر: 23/12/21 07:37,  حُتلن: 07:55

ليس بالضرورة أن تؤلم وخزة الدبّوس فربّما تكون بلسما لألم الحنين، لطول الوجد، لفسحة السنوات القسرية الطوعية التي تفصل بين ما هو كائن وبين ما كان، وربما نتمنّى لو أنّه ما زال كائن ويكون.


هل نقول طلاسم وأحجيات وعلم غيب وفنون وجنون؟؟!! ربما، وربما نحاول أن نجترّ بعضا من ماض جميل، تمتد إهتزازاته وترددادته ومكنوناته وذكرياته إلى حتى التوّ والحال وليس ذلك بمحال.
الدبّوس الثاني "نشكّه" في صفحة الذكريات، الذكريات الجميلة، على صورة من الماضي، ليس ببعيد. دائما ما نقول عن الماضي الزمن الجميل، وعن ماضي الماضي الزمن الأجمل. إنّها وجهة نظر.
أقلعت بنا الطائرة من مطار بنيتو خواريس في العاصمة المكسيكية "مكسيكو سيتي"، صيف عام 2008، متجهة الى مطار خوزيه مارتي في هافانا، عاصمة كوبا. الجزيرة الجميلة البديعة الهادئة الحالمة، في فمّ خليج المكسيك، في بحر الكاريبي، ذو الطقس المداري الدافئ الرطب.
بعد الإقلاع بقليل، كنت منشغلا مهتمّا في تصفّح كتاب باللغة الإسبانية إشتريته من مكسيكو سيتي عن الثائر المكسيكي إميليو زباتا. لم أكن منتبها لما يدور في اروقة الطائرة، طائرة الخطوط الجوّية الكوبية "كوبانا"، ولا إلى "ضجيج" الدردشات الثنائية والجماعية من حولي، ولا حتى لمضيّفات الطائرة اللواتي يذرعن بهو "كوريدور" الطائرة، جيئة وذهابا، و"يصطدمن" بكتفك دون قصد، مع إعتذار سريع وإبتسامة أسرع.
كنت مركّزا في الكتاب. فدائما ما وجدت تشابه بين تاريخ الشعب المكسيكي وثوراته وتاريخ الشعب الفلسطيني وثوراته. تشابه كبير، وظروف موضوعية وتاريخية وجغرافية متطابقة تقريبا. وكأننا إخوين من أب واحد ومن رحمين مختلفين. إلى درجة انني وصلت الى قناعة بأنّ المكسيكيين هم فلسطينيّو أمريكا اللاتينية، وأننا نحن الفلسطينيّون مكسيكيّو الشرق الأوسط.
صوت نسائي رفيع دافئ عميق يسألني:
- ماذا تودّ أن تشرب يا "سنيور"؟
رفعت رأسي تجاه الصوت المجاور عن يساري على مضيّفة حسناء، متوسّطة الطول شقراء الشعر المصبوغ، توشي ملامحها بأنها تعدّت عتبة الأربعينات لكن بنضارة بادية، تجر أمامها عربة المشروبات "المدبوزة" عن بكرة أبيها بالزجاجات وعلب العصير والمشروبات الغازية.
- ممكن عصير "فريش" لو سمحتي، أجبتها.
قالت:
- عصير مانجا، أتُريد؟؟
قلت:
- نعم.
وإستمرّيت في تصفّح الكتاب إنتظارا بالعصير.
لكن العصير لم يصل. فرفعت نظري أستطلع الأمر، وإذا بالمضيّفة السيّدة الاربعينية الجميلة تُحدّق بي!!!
وفجأة دفعت عربة المشروبات إلى الأمام وإندفعت "فوقي" تحتضنني بقوة وهي تصرخ هاتفة بإسمي.
يا إلهي هل هي المصادفة التي يقولون عنها أنها "خير من ألف ميعاد"؟؟!! أكيد في هذه الحالة.
المضيّفة الحسناء لم تكن إلا "غلوريا"، زميلتي العزيزة في كليّة اللغات الاجنبية في جامعة هافانا حيث درسنا معا وتخرّجنا معا بدرجة ماجستير من الكلّية، في ثمانينيّات القرن الماضي.
تقول لي غلوريا بين دموعها وشهقات فرحها:
- "لقد عرفتك من صوتك".
كان لقاء جميلا مؤثّرا بعد عشرين عاما كاملا من التباعد القسري الطوعي.
هل تتغيّر ملامح الإنسان مع الوقت والزمن ويبقى صوته صامدا دون تغيير؟؟
ربّما.
أمضيت أسبوعا في هافانا في زيارة رسمية. هاتفت غلوريا عدة مرّات وتحدّثنا عن الحاضر والماضي والذكريات، وعن زميلاتنا وزملائنا على مقاعد الدراسة في الجامعة وأين وصلوا في حياتهم العملية والمهنية والعائلية؟؟
لم تتسنّى لنا فرصة الإلتقاء في هافانا، فأنا كنت مشغولا في لقاءاتي الرسمية، وهي كانت مشغولة في أمور عائلتها وفي طيرانها ورحلاتها على متن طائرات الخطوط الجوّية الكوبية، "كوبانا دي أفياسيون".
 

مقالات متعلقة

.