يقول الفلاحون الفلسطينيون: إن الأشجار تتكلم، وتشعر بمن زارها، وتذوق ثمارها، ويقول الفلاحون المنغمسون بالأرض حتى تشققت أقدامهم: إنهم يفهمون لغة الأشجار، ويبادلونها مشاعر الحب للشتاء، ويشاركونها فرحتها بالربيع، ويتحسسون وحدتها في الخريف، ويتلمسون ظمأها في الصيف، ويقول أحد الفلاحين الحافظين لأسرار الأرض: إنه هجر الأشجار مرة، وابتعد عنها لفترة، وحين عاد إليها، واقترب منها، وجدها بائسة حزينة، ووجد إحداها ترتجف من الانفعال، وتبكي بحرقة، فسألها: ما بك يا شجرة؟ ، ولماذا تبكين؟
قالت الشجرة: لقد هجرتني، وابتعدت عني، ولم تسأل عن أخباري، وأنا بشوق إليك، وأقسم أنك لو قطعت جذري، وشققت غصني، وهتكت غضاضة ثمري، لكان أهون علي من قطع زيارتي.
أدرك الفلاح عمق العلاقة بين الإنسان وبين الأشجار؛ فالشجرة تنتظر زيارة صاحبها بشوق ومحبة، فإن زارها أحس بها، وتعرف على أحوالها، وقرأ أخبارها، وأدرك حاجتها إلى التعشيب، وحاجتها إلى حراثة الأرص من حولها، ثم يقوم بتسميدها، وريّها، وإن كانت بحاجة إلى الدواء، يداويها، ويقنب أغصانها، لذلك تفرح الأشجار بزيارة صاحبها، وتتمايل أحياناً طرباً، إذا كان صاحبها مطروباً، وتنكفئ حزناً إذا كان صاحبها مطبوباً.
مدن الضفة الغربية وغزة مثل الأشجار، تنادي على قيادة منظمة التحرير أن تزورها، وأن تتعرف على أوجاعها، مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها تنادي على محمود عباس، بصفته رئيس منظمة التحرير، ورئيس حركة فتح، ورئيس السلطة، وتسأل السيد محمود عباس وكل أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، ، لماذا لا نراكم بيننا؟ نحن لسنا غزة التي تحاربونها، نحن مدن الضفة، فلماذا لا تلتقون معنا؟ لماذا لا تستمعون لصوتنا؟ لماذا تحرصون على لقاء وزير الحرب الصهيوني بين غانتس، ولا تلتقون مع أهالي الضحايا الفلسطينيين الذين يذبحهم جيش وزير الحرب بني غانتس؟ لماذا تلهثون على لقاء رونين بار رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي؟ وتتأففون عن لقاء عائلات الأسرى والشهداء الذين قتلهم جهاز الشاباك؟
نحن يا قيادتنا كالأشجار، وأنتم أصحاب الحقل كما تقولون، أنتم الممثل الشرعي والوحيد كما ترددون، أنتم القرار السياسي والمالي والإداري والمعيشي، ونحن بحاجة إلى من يزورنا، ويتفقد أحوالنا، ويسمع صوتنا، ويتلمس أوجاعنا، ويتعرف على مشاكلنا وأحلامنا.
مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها تنادي: زرنا يا محمود عباس، فقد وقع علينا الضيم، تعال وانظر محيطنا، وشاهد المستوطنين والمستوطنات كيف يغتصبون يوميات حياتنا، تعال لتبصر بعينيك كم نحن مهانون على طرقاتنا، وفي حقولنا، وداخل بيوتنا، لعل زيارتك تحدث تحولاً في مواقفك، ذلك إن كانت مواقفك تنطلق من قناعاتك شخصياً
زرنا يا عباس، وشاهد انقطاع الكهرباء عن شمال الضفة، وانحباس الماء عن الخليل، وشاهد دموع الأقصى تسيل على خد القدس، اخرج من المقاطعة، واقترب من نابلس، لتبصر أحزان جبل عيبال وجرزيم، اذهب إلى الخليل، وانظر إلى شلال الدم الذي يشر من خاصرة الحرم الإبراهيمي، اذهب إلى قلقيلية وانظر إلى الغبش الذي يغطي بياراتها، اقترب من طوباس، ولملم خصلات شعرها المنفوشة على طرقات المستوطنين، تعال وتفقد مدينة جنين، وهي تزين الجبين بقوائم الشهداء وأسرى الزنازين.
زرنا يا عباس حتى تشاهد حجم عذابنا على الحواجز الإسرائيلية، وحتى تعرف مدى المذلة التي نعانيها، ونحن نحمل رغيف خبزنا، في طريقنا للعمل في المستوطنات الصهيونية، زرنا يا عباس، فربما يكون لزيارتك أثر في نفسك، فتغضب ولو قليلاً، وتحزن علينا يا عباس، ولو قليلاً، فأنت من نزع سلاحنا، وأنت من قلم أظافرنا، واقتلع شوكنا، وأنت من قدس التنسيق والتعاون الأمني مع عدونا، وأنت من تركتنا حفاة عراة وسط الغابة التي تعج بالوحوش والعتاة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com