في إطار محاولات التوصل لـ تفاهمات توقف الانتفاضة الثانية وتثبيت هدنة برعاية أمريكية عقد لقاء قمة في العقبة وشرم الشيخ عامي 2003 و 2005 وفيهما دفعت حكومة شاران مجددا مسألة يهودية الدولة. بعد صدور "وثيقة حيفا" وبقية التصّورات المستقبلية عام 2006 (نصوص مثقفين أكدّت أن الفلسطينيين في إسرائيل مجموعة قومية ردا على "وثيقة كنيرت" لـ مثقفين يهود)تصاعدت التصريحات الإسرائيلية المشددّة على يهودية إسرائيل وقالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني إن التعبير القومي للفلسطينيين أينما كانوا بمن فيها داخل إسرائيل يكمن في الدولة الفلسطينية المستقبلية في الضفة وغزة وبذلك حاولت الرد وقطع الطريق على رسالة التصوّرات المستقبلية. وما لبثت الجهات الإسرائيلية أن بدأت تطالب السلطة الفلسطينية بـ الاعتراف بـ إسرائيل كـ دولة يهودية وتصاعدت الدعوات عشية انعقاد مؤتمر أنابوليس عام 2007، وفي تلك الفترة كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد احتج على هذا الطلب وقال بما معناه إن هذا شأن إسرائيلي ولا يعنيه... وإنه بمقدورها أن تعرّف نفسها بـ "الدولة الصهيونية العظمى" وتبعه في ذلك الوزير الأسبق ياسر عبد ربه، الذي تحدث بروح مشابهة.
طبقا لـ مصدر مطلع : التقى رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وعضو الكنيست عنها آنذاك النائب السابق محمد بركة، بـ الرئيس عباس وأكد له أن عدم جواز اعتبار تعريف إسرائيل نفسها دولة يهودية ليس "شأنا إسرائيليا داخليا" بفعل تبعات وانعكاسات هذا التعريف على المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، مثلما يغلق باب عودة اللاجئين.
وفي تصريحات متتالية، ورغم تسريبات إسرائيلية بأنه مستعد للاعتراف بالهوية اليهودية لـ إسرائيل، كرّر الرئيس عباس من وقتها أنه يرفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية مثلما وعد بركة وقادة آخرين من الداخل بأنه لن يقبل أبدأ بـ التبادل السكاني في أي تسوية. نستذكر ذلك بعدما تحدث رئيس الموحدة منصور عباس عن إسرائيل كـ دولة يهودية في رسالة مبطنة للتسليم بهذا التعريف رغم محاولاته لاحقا بالنفي والقول إنه وصف حالة ولم يبد موقفا. في خطبة جمعة في نحف بعد شهر من المصادقة على قانون القومية عام 2018 هاجم منصور عباس هذا القانون واعتبره خطير اجدا داعيا للتصدي له فمن أقرب للحقيقة في هذا الموضوع الشيخ منصور أم النائب عباس ؟ رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية الشق الجنوبي إبراهيم حجازي عاد وأكد تنصل الحركة والموحدة من تصريحات منصور عباس حول يهودية الدولة وقال لـ موقع " العرب" إن ما يحدد الموقف هو ميثاق الحركة الإسلامية وليس موقف هذا النائب أو ذاك. وهل دخول الموحدة للإئتلاف الحاكم وتحّولها لـ "بيضة قبان" فعلا حتى الآن واعتبار جهات إسرائيلية واسعة لـ رئيسها منصور عباس "اللاعب المركزي" الذي هو ما دفعه لتغيير موقفه وهو الذي حذر قبل ثلاث سنوات فقط من قانون القومية الذي ينذر بنكبة جديدة ؟ أم هي محاولة لتيسير وتسريع تطبيق اتفاق الإئتلاف (من الكهرباء إلى لم الشمل)؟
كما في يهودية الدولة هكذا فعل السيد إبراهيم حجازي قبل نحو الأسبوعين معقبا على تصريحات منصور عباس، بـ تأكيده أن الحركة الإسلامية ترى بكل المستوطنين غزاة ومحتلين. السؤال إذا كان هناك تباين في المواقف داخل الحركة حتى حيال قضايا جوهرية مفصلية ؟ وبحال استمر سماع صوتين مختلفين فـهل يبقى ذلك ضمن هذه "التعددية" أم أنها تقاسم أدوار دور يخاطب العرب بالعربي ودور يخاطب اليهود بالعبري؟ وإذا لم يكن هذا تقاسم أدوار واستمرت التصريحات والمواقف المتناقضة جدا لدى رموز الحركة الواحدة والحزب الواحد فـ أيهما نصدق من الموقفين ؟ موقف رئيس الموحدة أم موقف رئيس المكتب السياسي؟ وهل يبقى الجمهور العربي مستعدا للتعامل مع ذلك كـ "تعددية" ويولي لها الثقة والمصداقية والشرعية ؟ المؤكد إن استمرار التناقضات ومحاولات التصحيح والتوضيح تنطوي على مخاطرة من شأنها أن تهدد مصداقية كل التصريحات والمواقف من كل الاتجاهات رغم أن المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل يميل في أغلبيته للمشاركة أكثر في اللعبة السياسية الإسرائيلية وإبداء مواقف براغماتية وهذه لا تعني التسليم بـ الدولة اليهودية والرواية التاريخية الصهيونية للصراع الذي ما زال نازفا مفتوحا على مصراعيه.
الصورة ...أرشيفية من 2006
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com