بداية سنة جديدة في لبنان مليئة بالأحداث المتسارعة، والتي لم ينتهي فيها الشهر الأول بمغادرة الحريري للمشهد السياسي في لبنان، فاتحا الباب أمام تأويلات كثيرة وسيناريوهات لا متناهية عن مصير هذا البلد الذي يقف على شفى حفرة من الانهيار.
لقد اختار الحريري النأي بنفسه من كل التجاذبات الحاصلة، بعد أن أدرك أن وجوده في أي عملية سياسية جديدة في لبنان قد يهدد حياته، في ظل صراع سلطة ونفوذ وضغط اقليمي رهيب على لبنان المفلس، الذي لم يعد يملك سلطة قراره أصلا، وبعد أن أدت التراكمات إلى دخول البلد في فراغ سياسي ومالي وحتى ديبلوماسي، اذ لم يعد للحريري القدرة على تقديم أي بديل ولم تعد التحالفات التي تحيط به مصدر أمان، وربما كان خيار الخروج من لبنان على قيد الحياة أحسن خيار متوفر في المرحلة الحالية.
في كل مرة ينجح لبنان في تفكيك الالغام المحيطة بعلاقاته مع دول الخليج يصطدم بلغم جديد، وهذه المرة يصطدم بدخول حزب الله المشهد على العلن، واضعا لغما ثقيلا بين علاقات لبنان ودول الخليج، في الوقت الذي كان الجميع يستبشر بانخفاض التوتر بعد استقالة القرداحي، ولكن سرعان ما انطلق نصر الله بالسرعة القصوى ليتهجم على السعودية و ليقوم بخطاب أشبه بإعلان بيعته على لبنان، هنا أدرك الحريري أن العزلة مع دول الخليج ستستمر، وأن نصر الله قد قطع طوق النجاة الأخير الذي تبقى للبنان على أمل أن تساهم عودة العلاقات الخليجية اللبنانية في إنقاد ما يمكن إنقاذه .
لقد استلم نصر الله ومن معه لبنان، ولم يعد ممكنا أن يكون هناك دعوى من وجود قوى وطنية معتدلة داخله ، وازداد التأكد بأن المرحلة القادمة داخل البلد ستكون مرحلة البقاء للأقوى وأنها من الممكن أن تذهب الى المواجهات المسلحة بين فصيل وفصيل وأن التصفية الجسدية واردة، كما أن ميقاتي لم يعد بإمكانه أيضا أن يقدم أية إضافة، في ظل وضع سيجعل الانتخابات النيابية بازارا لمن يدفع أكثر ليستلم بلدا مفلسا لم يعد لحكامه أية مصداقية أمام الشعب، ولم يعد البقاء على رأس السلطة تشريفا، بقدر ما أصبح يجلب العار، وومن المؤكد أن فرنسا قد حذرت الحريري من أن بقاءه في لبنان، حبث لم يعد لذلك أية جدوى بقدر ما أصبح خطرا يهدد مصيره وينهي مشواره بتصفية جسدية شبيهة لسيناريو والده .
لقد تأكد الحريري من أن عزلة لبنان الإقليمية ستستمر في ظل دعم ايراني مطلق لهته العزلة، مع ضعف جميع الأطراف السياسية الفاعلة في وجه نصر الله، لم يعد هنالك أي مجال للشك في أن نصر الله استغل الفراغ في السلطة وضعف القوى الوطنية المتخاصمة، وصعوبة الوضع الاقتصادي، ليقترب أكثر فأكثر من بسط نفوذه الكلي على لبنان، ولهذا فإن المسألة حسمت في ظل غياب حليف قوي للحريري كما أن رهانات هذا الأخير في الانتخابات النيابية أصبحت خاسرة من الأساس، فالأفضل أن ينسحب بأقل الأضرار وأن لا يضع نفسه في موقف محرج وأن يجبر على المغادرة عاجلا أم آجلا .
ولقد أكد جنبلاط أن خروج الحريري من العملية السياسية في لبنان هو اعلان انتصار حزب الله وحلفاءه في الداخل والخارج، واعلان صريح عن ارتماء لبنان أكثر فأكثر في حضن إيران وابتعاده عن بعده الإقليمي، وان كان تصريح جنبلاط لا يقدم ولا يؤخر في المسألة شيئا فالأمور قد حسمت.
ان الأسابيع القليلة القادمة ستكون مفصلية في تاريخ لبنان ومفهوم الدولة فيه، وربما سنشهد في الأيام القادمة انسحابا لشخصيات أخرى من المشهد السياسي اللبناني بعد أن تأكد الجميع بأن قواعد اللعبة في صالح حزب الله وبأن التحرك الخليجي من اجل احتواء الأزمة قد أتى متأخرا نوعا ما، بعد أن رجحت كفة حزب الله في المعادلة القائمة، ولكن هل سيكون هناك ردة فعل خليجية مغايرة لما نقرأه نحن؟ سؤال ستجيب عنه الأحداث التي ستستمر في التسارع.
يبقى للشارع اللبناني كلمته الأخيرة فإما قبول ما افضت به قواعد اللعبة أو التحرك في الربع ساعة الأخير لتدارك الوضع وانقاذ لبنان من الانهيار المحتم.