▪️ لا تبيت دافئًا وجارك بردان
▪️لا يبيت جارك جائعًا وأنت شبعان
إنّ الله يمتحننا ويختبرنا بصورٍ وأشكالٍ شتّى، ولعلّ ممّا يمتحننا الله فيه تلك العواصف الثلجيّة الّتي تعصف بنا كلّ عام لتمتحن كمَّ الدفء والعاطفة والحنان في قلوبنا، ومدى قوّة رباط الإخوّة الّذي يربطنا بمن تقطّعت بهم السبُل، أولئك العالقين بين عدو يتجهّمهم وقريب مَلَكَ أمرهم بقوّة السلاح، أولئك الّذين اعتاد العالم على صور مآسيهم، أولئك هم إخواننا وأخواتنا السوريّين الّذين لا تنتهي معاناتهم منذ أن فرّوا من ديارهم بعد أن هدمت على من فيها..
وأعتقد جازمًا بأنّنا أخوة ليس فقط برباط الدين والقوميّة والعقيدة، بل وأيضًا إخوة برباط المحن والنكبات، فنحن الشعب الأقدر على فهم أحوال اللاجئين في الشمال السوري، وآباؤنا وأجدادنا قد ذاقوا لسعات البرد في المخيّمات ولا يزالون. إخوة نحن يا أهل الشام برباط العقيدة، وإخوة برباط الهمّ والأسى.
قد فرّ إخواننا وأخواتنا السوريّون من نيران القصف بحثًا عن مأوى وحماية بعيدًا عن قصف الطائرات وأصوات الانفجارات، فرّوا من رائحة الموت ليتجرّعوا مرارة اللجوء المجبول بالمهانة والموت البطيء. وكيف لا يكون موتًا بطيئًا وهم يقاومون برد هذه الأيّام في الجبال والمرتفعات بصدور عارية وبخيام تخترقها سيول الأمطار وصفائح الثلوج؟ كيف لا يكون موتًا بطيئًا لأطفال وشيوخ ضعفاء لا يقوون على مقاومة تجمّد الدماء في العروق؟ موت بطيء، فهل نجعله موتًا محقّقًا؟!
أهلنا الأحباب في الجليل والمثلّث والنقب، وفي مُدُننا الساحليّة التاريخيّة، يافا وحيفا وعكّا واللد والرملة وكافّة أنحاء بيت المقدس المعطاء..
المطلوب منا ليس أقل من هبّة لله ورسوله نستجيب فيها لاستغاثات الأمهات والأطفال والشيوخ، لنمدّهم بالدفء والغذاء والكساء والإيواء، فلا خير فينا إن لم نستجب لهذه النداءات الملهوفة المكلومة، لا خير فينا إن كنّا صمًّا عن إيصال استغاثاتهم، بكمًا عن نداءاتهم، عميًا عن صور نكبتهم ومآسيهم.
في هذه الايام شديدة البرودة تقوم العديد من الجمعيات بحملات إغاثية مباركة، تعبّر عن طيبة هذا الشعب وأبنائه، فطيبوا بها نفسًا، ولتكن منافستكم على الخير لمن هم بأمس الحاجة لهذه الوقفة الجبارة العظيمة من شعبنا الأبيّ من داخلنا الفلسطينيّ.
وها هم أبطال حملة "فاعل خير" التي أطلقتها الحركة الإسلامية يجوبون البلاد طولًا وعرضًا، بل عبر كل وسيلة ممكنة من أجل تقديم يد العون لمن هم أولى الناس بالعون، وإنّ الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه..
ألا يقرع قلوبنا ذاك الحديث حين قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: "اتَّقوا النَّارَ"، ثمَّ أعرَض وأشاح حتَّى رآه الصحابة كأنّه يراها، ثمَّ قال: "اتَّقوا النَّار ولو بشِقِّ تمرةٍ فإنْ لم تجِدوا فبكلمةٍ طيِّبةٍ". لا أحد منا لا يملك شق تمرة، بل نملك أكثر بكثير من شق تمرة. نعم الله كثيرة، فتعالوا بنا نقدّم من رزق الله علينا، كلّ حسب سعته قدرته، بل وحسب نفسيته واستعداده، فأنفقوا ولا تخشوا من ذي العرش إقلالًا..
ومن لا يملك فالكلمة الطيبة صدقة، ومن الكلم الطيب أن تدعو وتحثّ غيرك لمد العون والمساعدة للاجئين المحتاجين، فالدال على الخير كفاعله..
ولا ننسى أننا في النهاية نقدم لأنفسنا أوّلًا قبل أن نقدم لغيرنا، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه العزيز: (وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).