الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

الصراع الامريكي الروسي وغاز أوربا والإسرائيلي

بقلم: بكر أبوبكر

بكر أبوبكر
نُشر: 17/02/22 07:59,  حُتلن: 08:22

الحرب الاعلامية الواسعة التي يشعلها الغرب الأمريكي-الأوربي التوسعي في مواجهة روسيا تخفي تحتها الكثير مما هو خارج نطاق الدعاية الغربية الرسمية بما فيها الاسرائيلية المتماهية مع الحملة الغربية الموصوفة بالهستيرية ضد روسيا.

الحملة الغربية المشتعلة ضد الرئيس بوتين وروسيا منذ زمن جعلت روسيا تنظر لمصالحها الحيوية ونفوذها بالمنطق الاقتصادي والسياق السياسي الجغرافي مع تمدد حلف الناتو الغربي على حدود روسيا، بعد أن انضم للحلف العسكري الغربي عديد دول أوربا الشرقية التي كانت جزءًا فيما سبق من المجال الحيوي السوفيتي (الروسي).

وما كان لاحقًا من توجه أكرانيا نحو الغرب بعد ثورتها البرتقالية عام 2004م الا مؤشر خطير في عقل القيادة الروسية التي رفضت علائم الاندراج الأُكراني في الحلف الغربي كما حصل من عديد دول أوربا الشرقية لاعتبارات مختلفة تتعلق بأُكرانيا الملاصقة لها وذات المساحة الواسعة والبلد الزراعي الثري والذي يضم سكان من الروس أيضا ولامتداد أنبوب الغاز الى أوربا عبرها.

روسيا التي دافعت وفق مفهومها عن مجالها الجغرافي والاقتصادي الحيوي غزت جمهورية جورجيا ومنعت استقلال جمهورية الشيشان بالقوة و"استرجعت" شبه جزيرة القرم لها من أوكرانيا (احتلتها بمفهوم الغرب)، ودخلت جمهورية كازخستان بالقوة العسكرية "قوات حفظ السلام" عام 2022م لتمنع الفوضى هناك حسب المصادر الروسية فكان لها من الرسائل للغرب المتعدي عليها الكثير.

لكن لابد من الإشارة في سياق المقارنة أن الولايات المتحدة الامريكية ومنذ الانهيار للكتلة الشرقية (الاتحاد السوفيتي) وحتى الآن فلقد تدخلت في دول ودمرت وقتلت مئات الآلاف، وقلقلت وخلخلت أنظمة وغزت وأطاحت بأنظمة في أكثر من 50 دولة! والى ذلك لها أكثر من 800 قاعدة عسكرية عبر العالم.

في الإطار الإسرائيلي الروسي كان لروسيا من الرسائل للإسرائيلي ما تم في سوريا ما فهمته القيادة الإسرائيلية بدقة، فالجيش الصهيوني يتمتع بحرية حركته بالقصف والتدمير هناك، مقابل الابتعاد الإسرائيلي عن المجال الحيوي الروسي وعدم الاندراج في أي سياق غربي ضد روسيا فيما أعلنت روسيا عبر وزير خارجيتها مؤخرًا غضبها على الإسرائيلي وعدم التزامه المتفق عليه في سوريا، ما فهمته القيادة الصهيونية جيدًا واستجابت له فاعتذرت عن تزويد أوكرانيا بالقبة الحديدية ضمن رسائل متبادلة واضحة. ومع ذلك فالأصابع الإسرائيلية في مجريات الأمور داخل أوكرنيا وبالحملة "الهستيرية" ضد روسيا واضحة المعالم.

استطاعت روسيا بوتين أن تستعيد جزء من قوتها التي انهارات إثر انهيار جدار برلين بدءًا من العام 1991 وتلاشي الاتحاد السوفيتي، وخاصة منذ عهد الرئيس بوتين الذي أعاد رسم خريطة روسيا والعالم بما تقتضيه المصالح الروسية بالجغرافيا والسياسة والاقتصاد، فكان لأنبوب الغاز الآخر المتجاوز للخط عبر أكرانيا (خط غاز نوردستريم1) رسالة واضحة أدت لتطور الضخ الروسي للغاز الى أوربا لما يقرب من ثلث احتياجات الاوربيين، واكثر من 60% من احتياجات ألمانيا ما أفزع الأمريكي واطار صوابه، الذي بات يهدد عسكريًا واقتصاديًا بمنع الرقائق الدقيقة وغيرها من الصناعات المتقدمة عن روسيا كما حاول سابقا بمنع تزويدها بالأنابيب الناقلة للغاز.

هل أمريكا بهستيرية الاتهامات ضد روسيا تعاقب أوربا؟ أم هي تستعيدها للحظيرة الأمريكية؟ وخاصة ألمانيا لاسيما أن عديد دول أوربا تعتمد على الغاز الروسي كما ذكرنا وبالأرقام حيث يوجد 3 دول أوربية (النمسا وفنلندا وليتوانيا) تعتمد بنسبة 100% على الغاز الروسي،وألمانيا تعتمد بنسبة فوق ال60% وبنسب متفاوتة أخرى للدول الأوربية المختلفة.

يقول الكاتب "مايك ويتني"بتاريخ 11/2/2022م في مقال له[1] أن:"لا علاقة للأزمة الأوكرانية بأوكرانيا. يتعلق الأمر بألمانيا، وعلى وجه الخصوص، خط الأنابيب الذي يربط ألمانيا بروسيا يسمى "نورد ستريم 2". وترى واشنطن أن خط الأنابيب (الجديد) يمثل تهديدًا لأولويتها في أوروبا وقد حاولت تخريب المشروع عند كل منعطف. ومع ذلك ، فإن "نورد ستريم" قد مضى قدما وهو الآن يعمل بكامل طاقته وجاهز للانطلاق. بمجرد أن يقدم المنظمون الألمان الشهادة النهائية ، ستبدأ عمليات تسليم الغاز. سيكون لأصحاب المنازل والشركات الألمانية مصدرًا موثوقًا للطاقة النظيفة وغير المكلفة ، بينما ستشهد روسيا زيادة كبيرة في عائدات الغاز. إنه وضع مربح للطرفين".

كل هذه الدعاية الحربية الهستيرية الامريكية الأوربية مع الاسرائيلي حسب عديد المحللين تتم بهدف تصنيع أزمة يمكن استخدامها لعزل روسيا وشيطنتها، ومع ذلك، فإن الهدف الحقيقي ليس روسيا، بل ألمانيا! وهذا ما يؤكده "مايكل هدسون"، في مقال نشره موقع “The Unz Review” بعنوان “أعداء أميركا الحقيقيون هم حلفاؤها الأوروبيون وغير الأوروبيين”،[2] جاء فيه: "الخيار الوحيد المتبقي أمام الدبلوماسيين الأميركيين لمنع عمليات الشراء الأوروبية هي جرّ روسيا للقيام بعمل عسكري، ثم الإدعاء بأن الإنتقام من هذا الفعل يفوق أي مصلحة اقتصادية وطنية بحتة".

إن الصراع القائم بين المعسكرين -إن شئت أن نستعير المصطلح القديم- مبني بكل وضوح على تنازع المصالح ومناطق التوسع أو النفوذ الاقتصادي والجغرافي والعسكري بين أمريكا التي تبغي محاصرة الصين الدولة العظمى المتوهجة بنارالتنين، وتقليم أظافر روسيا ومعاقبتها على رفع رأسها، وأرجاع أوربا لبيت الطاعة بعيدًا عن الغاز الروسي والتوسع الاقتصادي، وهو صراع في جميع الأحوال تحاول فيه الامبراطورية الامريكية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة أن تستعيد مكانتها المتفردة والمهيمنة على العالم خاصة أمام صعود التنين والدب لقمة الجبل أي أمام الصين وروسيا.

* بكر أبوبكر - رئيس اكاديمية الشهيد عثمان أبوغربية ورئيس مركز الانطلاقة للدراسات  

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com     


مقالات متعلقة

.