كثيراً ما نسمع إشادات من البعض بحرية التعبير في الغرب، وكثيراً ما يكيل بعض الكتاب المديح للديمقراطية في أوروبا وأمريكا ولا سيما فيما يتعلق بحرية الرأي. صحيح أن حرية الرأي متوفرة في الدول الأوروبية، ولكن ليس بالشكل المطلق الذي يتغنى به البعض، واعتبار أوروباً والولايات المتحدة منبع الحريات واديمقراطيات. فكل شيء له حدود. وهناك خداع وتضليل في الغرب فيما يتعلق بحرية التعبير، وليس كل ما يلمع ذهباً.
الصحفية الألمانية الفلسطينية الأصل مرام سالم، هي إحدى ضحايا حرية الرأي الكاذبة في أوروبا. هذه الصحفية التي تعمل في شبكة "دويتشة فيله" الألمانية تم طردها من العمل بسب تعبير عن رأيها نشرته على صفحتها في فيسبوك، حيث اعتبرت إدارة الشبكة الألمانية رأي الصحفية معاد للسامية.
فماذا كتبت مرام سالم حتى تم فصلها من عملها. لقد انتقدت حرية التعبير في أوروبا على صفحتها في فيسبوك. وأوضحت مرام أن "منشورها على منصة فيسبوك، الذي حققت الإدارة فيه، لم يذكر حتى اليهود أو إسرائيل بل كان ينتقد وضع حرية التعبير في أوروبا".
لكن يبدو بوضوح أن ما كتبته الصحفية مرام حول عدم وجود حرية تعبير في أوروبا كان كافياً بالنسبة للشبكة الألمانية بفصلها واتهامها بمعاداة السامية التي غالباً ما تستخدم للحد من حرية التعبير وتقييد النقد لسياسات إسرائيل وأفعالها، حسب رأي الصحفية الفلسطينية الأصل.
ويبدو أن إدارة شبكة "دويتشة فيلة" تقوم بحملة إقصاء لكل صحفي عربي في الشبكة، يحاول انتقاد الصهيونية وإسرائيل، متخذة من نهمة "معادة السامية" مبرراً لذلك، وأن مرام سالم لن تكون الأخيرة في حملة الإبعاد التي تقوم بها الشبكة. فقد أعلن المدير العام لشبكة "دويتشه فيله" بيتر ليمبورغ، أنه تم فصل خمسة صحفيين عرب، بعد تحقيق استمر لشهرين، بتهمة معاداة السامية، وأن التحقيقات مستمرة بحق 8 آخرين لنفس السبب. وقد تبين أن الخمسة هم من أصول فلسطينية وسورية ولبنانية.
وكانت شبكة دويتشه فيله، قد تعرضت سايقاً لانتقادات بسبب تغطيتها المنحازة لإسرائيل، مما دفع إدارتها إلى تبرير الإنحياز بإن ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة عن إسرائيل، نتيجة الجرائم النازية التي ارتكبت ضد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
ولو راجعنا التاريخ لوجدنا فيه ما يكفي من أكاذيب حرية الرأي في الغرب. عمدة العاصمة البريطانية لندن السابق "كين ليفنجستون" وجه انتقاداً لصحفي بريطاني يهودي يعمل في صحيفة "إيفننج ستاندر" اللندنية، فسارعت الهيئة التأديبّية المُخَصَّصَة للنظر في أداء المسؤولين المحليين إلى إصدار قرار معاقبة للعمدة في الرابع والعشرين من شهر فبراير/*شباط عام 2006 يتضمن توقيفه عن العمل لمدة أربعة أسابيع. فأين حرية الرأي؟
مدير القسم الثقافي في صحيفة "جيلاندس بوستن" المسؤول عن نشر الرسوم الكاريكاتوريّة المسيئة للنبي الكريم أعلن عن اعتزامَه نشر رسوم مماثلة ساخرة من المحرقة النازيّة ضدّ اليهود. وقد تفاجأ بعد إعلانه عن ذلك بقرار منحه إجازةً إجباريّةً، رغم أنه تَراجَعَ في اليوم نفسه عن تصريحاته.
والأمر ليس أفضل في فرنسا . فبالرغم من أن القوانين الفرنسية تمنع أي نوع من التعبير يؤدي إلى حقد أو كراهية لأسباب عرقية أو دينية، إلا أن السلطات الفرنسية تمارس ازدواجية المعايير. فهي تدافع عن انتهاك مشاعر المسلمين والهجوم على الدين الإسلامي باعتبار ذلك "حرية تعبير عن الرأي" بينما تقف السلطات نفسها ضد كل من ينتقد إسرائيل وضد تجريم مقاومة الصهيونية أو حتى انتقادها وذلك بموجب تشريع أعده البرلمان الفرنسي في أخر العام 2019.
الكاتب الأمريكي هو فينيان كاننجهام، وهو كاتب أمريكي معروف تنشر مقالاته الكثير من المواقع والصحف في الغرب، وجه انتقاداً شديد اللهجة للغرب، في مقال له يحمل عنوان "مهزلة حرية التعبير في الغرب". وقد ذكر الكاتب في مقاله:" أن قادة الدول الغربية يتحدثون بلا توقف عن القيم وحريات التعبير، لكن الحقيقة إنه في التطبيق العملي، فإن هذه القيم الغربية التي يتحدثون عنها، ليست سوى خرافة لا وجود لها، وإنها مجرد شعارات فارغة تماما، يرددونها ويهللون لها على سبيل الخداع لأغراض دعائية سياسية فقط".
إذاً الأمر واضح جداً. توجيه إهانة للإسلام يعتبره الغرب حرية رأي، وإذا كان الأمر يعود لانتقاد إسرائيل واليهود فهذا ذنب كبير. ولذلك فإن حرية التعبير في الغرب هي مجرد كذبة ليس أكثر.