وفجأة تحول المجتمع الدولي الى مجتمع يتعاطف مع البشر، أوكرانيا تحول مجلس الأمن الى الناطق الرسمي باسم الإنسانية والرافض للحروب، كنت أتمنى ان تكون هذه المسرحية بعيدا كل البعد عن الكلام عن الإنسانية.
أظن أن فلسطين تحتاج الى نصيبها من هذا البركان الهائل من التعاطف الإنساني والدعم المادي الذي يتلقاه الأوكرانيون من المجتمع الدولي والاعلام الغربي الذي تحولته كل اخباره لتغطية مايجري على الساحة الأوكرانية وغض النظر عن ماحصل ويحصل بصفة شبه يومية في فلسطين .... هل يحتاج الفلسطينيون الى طلب الجنسية الأوكرانية لكي يتعاطف معهم المجتمع الدولي أم ان التعاطف يتم على أساس الحسابات الاقتصادية والأجندات والمصالح لا على حساب الإنسانية؟
نحتاج اليوم لإعادة النظر في بعض المفاهيم والمصطلحات، لنتماشى مع النفاق الدولي الذي يرى ما يجري في أوكرانيا بعين الرحمة ويتعامل مع ما يجري في فلسطين وكأن شيئا لم يكن: هل أصبح لإسرائيل الشرعية الدولية في ممارسة الانتهاكات ضد الفلسطينيين، أم أن الوضع هناك لا يستدعي التدخل بقدر ما يستدعي الصمت وممارسة حركة النعامة ؟....لا أشك في أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية يغدون الصراع في بعض مناطق العالم، ويغدون التطرف ويصنعون المتطرفين بمثل هذا المنطق الذي يحكم به العالم.
لقد بلغ النفاق الدولي مداه حتى في العالم الافتراضي: تقابل المحتويات الفلسطينية الداعمة للقضية الفلسطينية بالحجب واضعاف الصفحات والحسابات في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، وتصنف المنشورات التي تحتوي على مشاهد توثق الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة على على أساس أنها محتويات تنشر الكراهية وتهدد بانتشار العنف والانتقام، يكفي فقط ان يذكر اسم فلسطين على صفحة إخبارية لتعاقب بإضعاف نسبة الوصول حتى تجعل منها فضاءا ينشر ويتناقل الأخبار للأشباح، هذا ما حصل بالضبط للعديد من المواقع الإخبارية الفلسطينية التي حاولت مرارا وتكرارا اطلاق وسوم على تويتر للتنديد على سياسات شركة ميتا التي تختق نشاطهم عبر الفضاء الأرزق.
لم تستدعي الانتهاكات الإسرائيلية في حي الشيخ جراح، التحرك الأممي لإيقاف دوامة العنف، بل أعطت طريقة التعامل معها الفرصة لفتح جبهة عسكرية أشعلت المزيد من لهيب التصعيد، وتحولت المشاهد من تقاذف للحجارة والقنابل المسيلة للدموع الى حرب بالصواريخ أدخلت الإسرائيليين الى الملاجئ وأعطت لنتنياهو فرصة لتوديع الفلسطينيين بطريقة خاصة، ولكن استدعت الاحداق الجارية في أوكرانيا أن تفتح أوروبا أبوابها للاجئين وتستغلهم لتصوير مشاهد يتعاطف معها الملايين من البشر ويرجى منها الإدانة الإنسانية لبوتين، والحكم عليه كمجرم حرب بعض النظر أن الحرب قد قامت على أساس سياسي وأمني واقتصادي بحث.
إذا أردنا أن نقتنع بالرواية الأمريكية والأوروبية والاقتناع بأن الدول العظمى تتعاطف مع ما يجري مع الاوكرانيين، يكفي فقط ان نقرأ في تاريخ منطقتنا العربية ونستذكر كيف تعامل الغرب مع العراق عندما أراد ان يسقط نظام البعث: لقد صور الاعلام الغربي أدق التفاصيل اليومية للعراقيين و ركز على إيصال صورة نمطية للرأي العام العالمي على ان التحرك الأمريكي الذي قادته الولايات المتحدة ضد صدام كان من أجل تحرير العراقيين وتغيير واقعهم ولكن وفي الحقيقة فان بشاعة نظام صدام وديكتاتوريته كانت أفضل بكثير من حرية أمريكا.
لا يكفي فقط ادانة بوتين وحكومة بينيت عما يجري من تصعيد يهدد البشر، بل يفترض أيضا القيام بنقد ذاتي للمؤسسات الأممية التي تتكلم باسم الإنسانية في مناطق معينة من العالم وتسكت عن أخرى ربما تكون أكثر تكرارا الى درجة أنها أصبحت روتينا يوميا، على العالم القوي أن يحاول إيجاد حيل جديدة يتحكم فيها بعقول البشر فالأكاذيب الحالية لم تعد قادرة اقناع حتى الأطفال : فاما التعامل مع الادميين بنفس المعايير أو عدم لوم البشر على ردة فعل متطرفة.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com