فارقنا الأستاذ عثمان عبد الغافر صرصور في مساء الثلاثاء الموافق 22 من آذار 2022م إثر مرض لم يمهله طويلا
- المربّي المرحوم عثمان عبد الغافر حمدان صرصور(1944-2022) (الخبير والمرشد الزراعي ومعلم السياقة الأول في كفر قاسم)
*من كتاب "الرائدون في التربية والتعليم" - (تاريخ التعليم في كفر قاسم)*
زرته في بيته عدة مرات كانت أوّلها في نهاية شهر أيلول من العام 2021م واستقبلني بحفاوة ورحابة صدر وقد بدت على محيّاه ابتسامته المعهودة التي لم تفارقه طوال حياته، استقبلني وراح يشرح لي عن بعض الأشجار النادرة الجميلة، الطبيّة منها والمثمرة، والتي تزيّن ساحات بيته من كل جوانبه، حيث تشعرك كأنّك تتواجد في حديقة غنّاء، ثم جلسنا نحتسي القهوة ونتحدث عن سيرته الذاتية التي لخّصها لي كم يلي:
ولد المربّي عثمان صرصور (أبو الوسيم) في الرابع والعشرين من شباط عام 1944م في كفر قاسم لعائلة ميسورة الحال تملك الكثير من الأراضي الزراعية وبيارة برتقال وبئر ماء مع مضخة. جده الحاج حمدان كان يشغل منصب عمدة القرية (المختار) لفترة طويلة إلى أن انتقل هذا المنصب إلى زوج أخته وديع محمود صرصور في نهاية سنوات الأربعينات من القرن الماضي. وكان غالبية أفراد العائلة قد تعلّموا في الكًتّاب وكانوا يتقنون القراءة والكتابة، في زمن سادت فيه الأميّة في جميع أنحاء الوطن العربي. عمّه مصطفى الحاج حمدان كان يتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة منذ بداية عهد الانتداب البريطاني ولهذا فقد عُرف سمّي بترجمان القرية حيث كان يترجم المعاملات والتعاملات مع الجيش الإنجليزي المحتل في جميع المحافل. وبفضل العمل في زراعة الأراضي الزراعية الخصبة، عاش الأستاذ عثمان مع عائلته وأعمامه في بيت جدّه حياة اشتراكيّة مشتركة بالكامل. (ولا يزال بيت المرحوم الحاج حمدان التاريخي قائمًا ويخطط الأستاذ عثمان بالاشتراك مع أقاربه أن يرمموه ويجعلوه متحفًا عامًّا).
تعلّم الأستاذ عثمان في صغره في المدرسة الابتدائية في قريته وأنهى فيها الصف الثامن في عام 1958م بدرجة عالية، وكان جلّ اهتمامه أن يدرس مرشدًا زراعيًّا من أجل تطوير الزراعة في قريته والقرى الأخرى، بعد أن تأثّر من المرشدين الزراعيين العرب واليهود الذين كانوا يفدون إلى مزارع العائلة واحتكّ بهم كثيرًا أثناء مساعدة أهله في الزراعة. ولهذا تسجّل في المدرسة الزراعية ميكفي يسرائيل מקוה עשראל في حولون قرب تل أبيب وفي مدرسة بن شيمن الزراعية في آن واحد من أجل الالتحاق بالمرحلة الثانوية. بعد إجراء الامتحانات اللازمة تم قبوله في المدرستين إلا أنه اختار أن يتعلم في مدرسة ميكفي يسرائيل لوجود زملاء له من أبناء عمومته وهم عباس وعدنان ومعروف. فكانت رحلتهم معًا في هذه المدرسة في عام 1958م وهي مدرسة داخليّة والتي تضم أكثر من ثلاثة آلاف طالب، ينقسم فيها الطلبة إلى فئتين: فئة من الطلبة المتدينين وفئة أخرى من الطلبة العلمانيين. ويتعلم الطلاب فيها ثم ينامون في مساكن خاصة بالطلبة ثم يعودون إلى بيوتهم مرة كلّ أسبوعين. وكان عدد الطلاب العرب في هذه المدرسة 15 طالبًا فقط. وكان التعليم في المدرسة منقسمًا إلى مرحلتين: الأولى مرحلة القسم العملي التطبيقي حتى ساعات الظهر وتناول طعام الغداء، والثانية مرحلة القسم النظري وتبدأ من ساعات الظهر حتى ساعات المساء. وهذا النظام الزمني كان يتبدّل كلّ أسبوع بين الطلاب. كانت علاقته الشخصيّة بالطلاب اليهود علاقة جيدة فاستفاد منهم إتقان اللغة العبرية بطلاقة ومما زاده اكتسابًا هو سكنه في نفس الغرفة التي يسكنها زملاؤه اليهود فكان يعلمهم اللغة العربية ويتعلم منهم مفردات جديدة باللغة العبرية.
حين أنهى الصف الحادي عشر في هذه المدرسة قرر الانتقال إلى مدرسة تخنائوت نوف في بيتح تكفا. وتحمل أيضًا اسم גננות ושתלנות وهي مؤسسة أعلى من المدرسة الثانوية.
بعد تخرّجه مباشرة عام 1964م عُيّن للتدريس في مدرسة أبو غوش الابتدائية وفي نفس الوقت طُلب منه أن يكون مدرّسًا في أربع مدارس يهودية في مدينة القدس، فراح يعلّم في مدرسة أبو غوش يومين في الأسبوع وباقي الأيام في مدرسة نيتسانيم، ومدرسة جاؤوليم (أ) ومدرستين أخريين يتعلّم فيها الطلاب التعليم النظري ثم يأخذهم إلى مزرعة كبيرة أقيمت خصيصًا لهذه المدارس تدعى باسم حافاه ليلدي يروشلايم – חוה לילדי ירושלים (مزرعة لأولاد القدس)، حيث خدم في تلك المدارس ثلاث سنوات امتدت من عام 1964م حتى العام 1967م. وأخذ يعمل على عقد لقاءات تعارف وتفاهم بين الطلاب العرب مع الطلاب اليهود في تلك المنطقة برعاية جمعية يد أفراهام (יד אפרים). ولكن بسبب إصرار مدير المعارف في الوسط العربي آنذاك (ويدعى شامّاي) على انتقاله إلى المدارس العربية للتدريس فيها بسبب وجود نقص في المعلمين، وبالرغم من معارضة مفتش المدارس اليهوديّة، فانتقل إلى المدرسة العربيّة الوحيدة في اللد (مدرسة المنار اليوم) وهناك التقى بمديرها المربي رأفت الدبسي (أبو توفيق) الذي كان يشهد له كل سكان اللد باستقامته وإخلاصه ومحبته للعمل في التدريس، وافتتح في المدرسة بتشجيع من مديرها ناديًا زراعيًّا بعد الظهر للعمل التطوّعي في بيوت الطلاب من أجل تحبيبهم للزراعة والأرض. في عام 1971م تم تعيينه نائبًا للمدير في هذه المدرسة. وفي العام 1973م حصل على اللقب الأول من الجامعة العبريّة في القدس متخصصًا في اللغة العبرية والتربية. في سنة 1975م عُيّن مركّزًا في المركز التربوي لمدينتي اللد والرملة لمساعدة المعلمين وتطويرهم. كما وقد قُبل عضوًا في نقابة المعلمين فرع اللد والرملة وإدارة نقابة المعلمين العامة وظلّ فيها حتى بداية عام 2021م، ولهذا فقد كان يمثّل نقابة المعلمين في لجان اختيار المديرين في الوسطين العربي واليهودي من خلال التقدم بالوظائف الشاغرة التي كان يُعلن عنها. في العام 1979م بدأ يعمل في مدرسة يهوديّة تدعى شالوم عليخم (إلى جانب تدريسه في المدرسة العربيّة في اللد) في يومي الجمعة والأحد وهما يومي عطلة رسمية في المدارس العربيّة في اللد والرملة ويافا، ومكث في مدرسة شالوم عليخم عشر سنوات حتى العام 1989م. في العام 1981م قُبل لدورة لتأهيل المعلمين في المدارس الإعداديّة لمدة سنتين ونصف في جامعة بار إيلان مباشرة بعد البدء بفتح المدارس الإعداديّة في إسرائيل وبعد أن أنهى الدورة في عام 1984م تم تعيينه مديرًا للمدرسة الراشديّة في اللد خلفًا للأستاذ محمود قشوع من سكان الطيرة وكان هو أول مدير يعين لإدارة هذه المدرسة من افتتاحها عام 1976م والذي انتقل ليدير مدرسة أخرى في قريته الطيرة. بقي الأستاذ عثمان مديرًا لهذه المدرسة خمسة وعشرين عامًا إلى أن خرج للتقاعد في العام 2008م بعد خدمة دامت 42 عامًا قضاها في التربية والتعليم. إلى جانب التعليم في المدرسة تقدّم الأستاذ عثمان لامتحانات تدريب السياقة ونجح فيها وأصبح مدرّبًا ومرشدًا لقيادة السيارة لفترة امتدت من عام 1974م إلى عام 1983م حتى استلامه إدارة المدرسة الراشدية في اللد. وكان أوّل مدرّب سياقة في كفر قاسم والقرى العربية المجاورة، إذ كان تعلّم السياقة وقيادة السيارة حكرًا على الرجال فقط، ومنذ ذلك الوقت فُتح المجال لكثير من النساء العربيّات بتعلّم سياقة السيارات بكل سهولة. يتذكّر الأستاذ عثمان معلميه الأوائل: الأستاذ زكريا صرصور، والأستاذ عبد الرحمن صرصور والأستاذ طاهر الرابي وعبدالرحيم الناشف وخليل الناشف وكان يدير المدرسة الابتدائية معلّم اللغة الإنجليزيّة الأستاذ إبراهيم زُهد (أبو حاتم) من الطيرة ، والأستاذة اليهود العراقيين منهم: الأستاذ إلياهو دُشت معلّم الرياضيات (المعروف عنه بإخلاصه)، والأستاذ تسيون عطّار، والأستاذ عزرا كورجي. حصل المربي عثمان صرصور على شهادة الماجستير من جامعة القدس مع بروفسور باشي وسافر إلى ليفربول 3 أشهر للدفاع عن أطروحة الماجستير.
كان الأستاذ عثمان صرصور يهوى السفر كثيرًا حيث زار الكثير من بلدان العالم، وزار الديار الحجازية وأدى فيها فريضة الحج. وأدّى العمرة فيما بعد 4 مرات. ويهتم بالزراعة وتنسيق الحدائق. له من الأولاد: وسيم صرصور وهو معلم للغة الإنجليزية في المدرسة الإعدادية، وعضو في البلدية ممثلا عن عائلة عيسى. وعبد الغافر (عبودي) يعمل في شركة في قسم التكنولوجيا. ورنا معلّمة في المدرسة الابتدائية الغزالي وهي محامية نظامي وشرعي.
عُرف عن الأستاذ عثمان أبو الوسيم أنه كان من أعضاء لجنة الزكاة التي كانت تصل الليل بالنهار لتوصل لقمة العيش إلى بيوت الفقراء والمساكين في جميع أنحاء البلدة وخصوصًا في شهر رمضان المبارك.
فارقنا الأستاذ عثمان عبد الغافر صرصور في مساء الثلاثاء الموافق 22 من آذار 2022م إثر مرض لم يمهله طويلا عن عمر يناهز 78 عاما تاركا خلفة بصماته التعليمية في كل مكان.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com