تدّعي حكومة إسرائيل و"السلطة لتطوير وإسكان البدو في النقب" ان تطبيق قانون التنظيم والبناء في النقب، من خلال أوامر الهدم والترحيل التي تصدر بشكل دائم ضد المواطنين البدو في النقب، هو فقط تطبيق للقانون لدعم التنظيم والاسكان (باللغة العبرية "אכיפה תומכת הסדרה"). أي ان الدولة تعمل، حسب ادعاءها، على ترحيل المواطنين العرب في النقب فقط عند الحالات التي صدّقت خارطة هيكلية لإسكان المواطنين وحين يرفض المواطنون الانتقال الى الموقع المنظم الجديد الذي خصص لهم.
وفق تجربتي في الدفاع عن كثير من العائلات العربية البدوية في النقب أجد ان الادعاء المذكور لا يصف حقيقة تعامل الدولة مع المواطنين العرب في النقب والأساليب الباطلة التي تنتهجها سلطة إسكان البدو بحقهم بحجّة تنظيمهم.
هي ثلاثة أساليب:
التجاهل- تعمل سلطة إسكان البدو على إعداد الخرائط الهيكلية لأحياء سكنية جديدة دون اشراك حقيقي للسكان البدو ودون التشاور معهم في كل مراحل اعداد وتصديق المخطط وكأنهم ليسوا الفئة المعنية أو صاحب الشأن والرأي. وفي اغلب الحالات يتم تخطيط الاحياء السكنية على أرض المواطنين الخاصة وفق دعوى الملكية التي قدمتها العائلة خلال إجراءات تسوية الأراضي التي لم تحسم حتى اليوم في النقب. لهذا وفي أغلب الحالات لا تعلم العائلات المعنية عن المخططات السكنيّة الجديدة الا بعد المصادقة عليها وحين لم يعد حسب القانون إمكانية للاعتراض على المخطط امام مؤسسات التنظيم والبناء.
الإكراه- بعد المصادقة على المخطط الهيكلي للحي السكني الجديد تقوم سلطة إسكان البدو بالتوجه للعائلات المعنية لتفرض عليهم الانتقال للحي السكنيّ الجديد. ولا تكترث السلطة وقتئذ بمطالب العائلة وملاحظاتهم على الحي السكنيّ الجديد، بل تعاملهم على ان أمر انتقالهم للحي الجديد هو قرار قطعيّ لا نقاش فيه. حتى ان طريقة توجه موظفي السلطة للسكان مهينة ففي حالات كثيرة لم يجلس موظفو السلطة مع الناس في بيوتهم او في ديوان العائلة، بل كانوا يتحدثون اليهم عبر نافذة السيارة دون ان يغادروا السيارة ويجلسوا معهم!
الإنكار- وبعد ان تتمّ توجهاتها المذكورة للمواطنين لإكراههم على التوقيع على اتفاقيات الانتقال الى الحي المخطط الجديد، تقوم سلطة إسكان البدو بالتوجه الى نيابة الدولة والى الوحدة القطرية للتنظيم والبناء من اجل العمل على اصدار أوامر هدم وترحيل ضد السكان مدعية ان السكان لا يتعاونون مع السلطة من اجل الانتقال الى الحي السكني "الذي خطط من أجلهم". وتقوم نيابة الدولة بدورها بتقديم طلبات لمحكمة الصلح في بئر السبع لإصدار أوامر هدم لبيوت ومباني السكان. والمهم والمؤلم في هذه الطلبات انها تقدم ضد "مجهول"، أي ليس ضد صاحب البيت، حينما يدعي مفتشو الوحدة القطرية في طلبات الهدم أنهم زاروا مكان سكن المواطنين أكثر من مرة ولم يستطيعوا الحصول على تفاصيل أصحاب البيوت والمباني ولذلك هم في عداد "المجهولين"، ولهذا تكون طلبات الدولة للمحكمة باسم "دولة إسرائيل ضد مجهول"!، أي ان الدولة تنكر وجود وهوية صاحب البيت قطعيّا مع انه حيّ يرزق!
أنوه أيضا الى أمر لا يتم الالتفات اليه بشكل جدي وهو ان سلطة إسكان البدو والتي تمارس اهم الصلاحيات في مجال الأرض والمسكن الخاص بالعرب البدو في النقب لا تستند في عملها الى قانون ينظم صلاحياتها وعملها، بل الى قرار قديم لحكومة إسرائيل من عام 2007 خُلقت حسبه سلطة إسكان البدو وهو بحد ذاته مشكلة دستوريّة جدية لان القضاء الدستوري لا يقبل ان تمارس سلطة إدارية مهاما تمس بحقوق المواطن دون ان تكون صلاحياتها وطريقة عملها منظمه بقانون أقره البرلمان.
إذاً، ليس النهج المسمى "تطبيق القانون من أجل التنظيم" سوى نهج لتقرير مصير المواطنين البدو بالإكراه ودون مراعاة أبسط الحقوق الخاصة بهم.
*د. قيس ناصر يحمل درجة الدكتوراة في القانون من جامعة تل ابيب، ورئيس قسم التنظيم والبناء في مكتب محاماة م. فيرون حيفا
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com