لا أنكر، ومثلي كثيرون، جبروت الأعلام الصّهيونيّ الّذي أقنع العالم الغربيّ الاستعماريّ قبل قرن بأنّ بلادنا يباب تغمرها المستنقعات وأرضها بلا شعب ومن الضّروريّ منحها لشعبٍ بلا أرض، وما زال شعبنا يدفع ثمن المقولة الآثمة بأنّه نادى برمي اليهود في البحر، وعلى الرّغم من أنّهم رموه في الصّحارى منذ العام 1948، وقد بحثت وفتّشت فلم أجد زعيمًا فلسطينيًّا تفوّه بهذا الكلام أو ما يوحي به، وما زال ساسة إسرائيل واعلامها يردّدون فرية رئيس حكومة إسرائيل الفاشل ايهود باراك: "لا يوجد شريك" فلسطينيّ للحلّ السّلميّ في حين دفع ويدفع شعبنا ثمن هذه الأكذوبة القاتلة دمًا وسجنًا وقهرًا وحصارًا واستيطانًا.
تبنّى قادة إسرائيل منذ العام 2000 فرية باراك فتغنّى بها اليمين في شتّى ألوانه واحتضنها الوسط وصمت اليسار الاسرائيليّ والصّمت دليل الرّضا فلا أحد منهم يرغب بدفع ثمن السّلام بالانسحاب من المناطق المحتلّة وإقامة الدّولة الفلسطينيّة وعاصمتها القدس الشّرقيّة ولا أحد منهم يعترف بحقوق الشّعب العربيّ الفلسطينيّ بل رفضوا مبادرة السّلام العربيّة الّتي انطلقت من بيروت ودفنوا أكبر فرصة تاريخيّة لحلّ الصّراع كما اعترف بذلك عدد من المفكّرين الاسرائيليّين.
نجح الجنرال موشيه ديّان بالصاق صفة "مخرّب" و "ارهابيّ" في العقل الاسرائيليّ على كلّ فلسطينيّ يقاوم الاحتلال حتّى لو كان ذلك بحجرٍ صغير من راحة الطفل أو أغنية مطرب أو قصيدة شاعر أو لوحة رسّام أو معدة أسير مضرب عن الطّعام أو فسيلة زيتون غرسها فلّاح في حين يمجّد هؤلاء في هذه الأيّام مقاومة الشّعب الأوكراينيّ للاحتلال الرّوسيّ، كما نجح بنيامين نتنياهو في العقد الأخير بتغييب كلمات "احتلال ومناطق محتلّة وسلام" من القاموس الاسرائيليّ وصار الاعلام الاسرائيليّ إذاعة وتلفزيونًا وصحافة ومواقع امّعة ينشر بين الشّعب الاسرائيليّ سياسة اليمين بل اليمين المتطرّف، سياسة الاستيطان والعدوان والكراهيّة.
واستطاع هذا الاعلام الحكوميّ أن يترجم نداء بلال بن رباح الى دعوة للقتل، فكم مرّة سمعنا وشاهدنا على شاشة التّلفاز رجلًا اسرائيليًّا او امرأة اسرائيليّة يقول بذعر ليصف عمليّة قتل حدثت أمامه: كان يصرخ الله أكبر، وكم من شهيد فلسطينيّ كان ضحيّة تفوّهه بنداء بلال بن رباح.!
عبرّت تصريحات رئيس حكومة إسرائيل الحاليّة وأقوال وزرائه وما يبثّه اعلامه في هذه الأيّام عن تخوّف كبير من شهر رمضان بأن تزداد المقاومة في هذه الأيّام وتكثر الأعمال الفدائيّة والانتحاريّة ضدّ الاحتلال في مدينة القدس وفي الضّفة الغربيّة المحتلّة وفي قطاع غزّة المحاصر وحتّى في المدن السّاحليّة المختلطة في إسرائيل، واجتهد صانعو الاعلام الاسرائيليّ على تصوير هذا الشّهر الفضيل بأنّه شهر الدّم وشهر السّكاكين وشهر القتل وشهر العداء وشهر الكراهيّة وكأنّ شهر رمضان الفضيل، شهر الطّاعة لله، وشهر العبادة، وشهر الاحسان للفقراء والمحتاجين، وشهر المحبّة والاخاء بين النّاس، وشهر العطاء، وشهر الصّوم عن المحرّمات والموبقات والكذب والنّفاق، شهر "اللهم انّي صائم" تحوّل فيما يصوّره الاعلام الاسرائيليّ الى شهر الموت والخوف والرّعب، شهر الكراهيّة وقتل الأبرياء. ويبدو أنّ هذا الاعلام الّذي نشر الخوف والذّعر من الإسلام والمسلمين ومن العرب والفلسطينيّين يسعى الى ترسيخ الرّمضانفوبيا في عقول الاسرائيليّين كي يطفو الخوف في البلاد وتسود الكراهيّة ويستمرّ الاحتلال.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com