صدرت عن منشورات الملّ في الناصرة مجموعة شعرية ضمّت آخر ما كتبه وانتجه الشاعر الكاتب الروائي الناقد الاجتماعي حسين فاعور – الساعدي. حملت المجموعة عنوان " قصائد السخرية والغضب"، وجاءت في 230 صفحة من القطع المتوسط وتصدرت غلافها صورة الشاعر الراحل. المجموعة صدرت بمبادرة من اسرة الفقيد.
كتب مقدمتها الكاتب ناجي ظاهر، محمّلًا إيها عنوانًا معبّرًا هو "صوتٌ عالٍ مبدعٌ من الشاغور"، وقد ورد فيها، في وصف المجموعة ما يلي:" يُعبّر صاحب هذه المجموعة فيها عمّا رافقه طوال أيام حياته من ألم، قلق ومرارة، لما آلت اليه الأوضاع العامة للمواطنين العرب في بلادنا، وفي الوطن العربي عامة، ويفجّر فيها مكامن غضبه وسخريته من كل ما أعاق المسيرة الحضارية، لهؤلاء المواطنين، متوسلًا بالسخرية حينًا وبإعلان الغضب حينًا آخر، ويلفت النظر في هذه المجموعة أن صاحبها وظّف في العديد مما تضمنته من قصائد رموزًا من عالم الحيوان ناحيًا بذلك نحو تراثنا العربي العريق، خاصة في كتاب كليلة ودمنة. يزيد في قيمة هذه المجموعة أن معظم ما ضمّته من قصائد أُتبع بتعليقات وتعقيبات كتبها العديد من المثقفين العرب المقيمين عالمنا العربي، تشيد بإبداع صاحبها الشعري الراقي وتنصّبه شاعرًا كبيرًا ذا شخصية مميّزة وتحمل الهموم العربية بجرأة وشجاعة تقف عالية شامخة جنبًا إلى جنب مع ما أنتجه الشعراء المثقفون العرب المبدعون المجلّون في عصرنا الحديث.
وتطرّق الظاهر في مقدمة المجموعة إلى حياة صاحب المجموعة حسين فاعور – الساعدي، فذكر أنه من مواليد عام 1970 ، وانه لد لعائلة بدوية تقيم في قرية الحسينية، الواقعة في منطقة الجليل الغربي، قرب بلدة عرابة البطوف. عمل في طفولته راعيًا لمواشي الاهل، وتلقى دراسته بمراحلها المختلفة في العديد من المدارس والبلدات، وقد درس علم الاجتماع والتاريخ في جامعة حيفا، كما درس موضوع التخطيط البديل في جامعة كلارك في نيوجرسي الامريكية. بعد حصوله على اللقب الاول في علم الاجتماع والتاريخ، عمل في مطبعة صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وابتدأ بنشر بواكير كتاباته الشعرية فيها، علمًا أن بداياته هذه تعود إلى السبعينيات الاولى من القرن الماضي.
عمل بعدها مديرًا لقسم الرفاه الاجتماعي التابع للسلطة المحلية في قرية بئر المكسور، وقد تواصل عمله هذا مدةً قاربت الثلاثة عقود من الزمن، وبقي فيه إلى أن تقاعد عام 2018.
وتطرّق الظاهر في مقدمته إلى الحياة العملية للشاعر الراحل، فذكر أنه أسس " خلال السنوات السبع الماضية منشورات أطلق عليها اسم الملّ، تيمنًا بالمنطقة التي ولد، عاش وترعرع فيها، في قرية الحسينية، وأملًا في أن يطول عمرها ويشتد عودها وتصمد لعوادي الزمن، كما هو الحال مع شجر الملّ القوي المعمّر المنتشر في ربوع بلادنا وجبالها. صدر عن هذه المنشورات العديد من الكتب والمؤلفات لكتاب مختلفي المنازع والمشارب، ويذكر من مؤلفات الساعدي التي صدرت ضمنها مجموعته الشعرية الثانية "عفو كل هؤلاء". مجموعته الاولى حملت عنوان "طفل يخترق الحدود، كما صدر عنها كتاب مذكراته وسيرته الشخصية " تحت النار " ، إضافة إلى عدد من رواياته منها "فتاة الموسيقى"، "البئر الملوثة- مذكرات رئيس"، و"دخان في كروم الله". وكان المرحوم شرع في كتابة رواية جديدة لافتة أطلق عليها اسم "صاحب الجبل"، وابتدأ بنشر فصول منها في مواقع الكترونية اعتاد على الكتابة فيها، وقد اخبرني أبناء عائلته انه كتب قبل وفاته بقليل رواية وضع لها اسم " نادية"، وأنهم ينوون إصدار هاتين الروايتين معا في كتاب واحد.
كما تطرق الظاهر الى العمود الفقري لما انتجه الفقيد من شعر ونثر روائي، كاتبًا، ان الهم الوطني شكّل لدى المبدع الراحل إلى جانب قرينه الجانب الانساني، عمودًا فقريًا لما كتبه وانتجه في المجالين الشعري والروائي، وتمحورت كتاباته حول رفض الحيف والظلم وحفلت ببحث جاد ومُجدّ عن العدالة والحرية، كما اتصفت بنبرة ساخرة سوداء، ميّزت كل ما كتبه بما فيه مقالاته التي تنضح مرارة على ما وصل إليه الوضع العربي في بلادنا والخارج أيضًا من أحوال متدهورة واخذة في التدهور. ومع هذا يلمس من يقرأ كتاباته تلك النغمة الاملة والمبشرة.
يُذكر لصاحب المجموعة أنه كان طوال حياته شعلة متقدة من النشاط والعطاء، ومما يُسجّل في كتاب عطائه أنه كان واحدًا من الطلائع المحلية في بلدته التي عملت دون كلل او ملل خلال العشرات من السنين لرفعة قريته، تقدمها وتطوّرها، وهو ما حمل السلطات المسؤولة على الاعتراف بها، كما يُسجّل له أنه أسس في السنوات الاخيرة الماضية "نادي قراء الحسينية"، وقام بعقد العديد من الامسيات والتكريمات الادبية لمبدعين ومنتجين محليين في بيته الخاص، كما تُسجّل له محاولته الرائدة لتوحيد الاطر الادبية المختلفة في بلادنا وهو ما تحقق بعد مبادرته المباركة تلك.
رحل حسين فاعور - الساعدي من عالمنا يوم الخميس 29-4-2021، بعد معاناة مريرة مع المرض، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا ثقافيًا يعتز به، ويضم هذا الكتاب آخر ما انتجه من اشعار نابضة بالحياة.