لا يزال وضع المالية العامة الفلسطينية حافلا بالتحديات بسبب تراكم متأخرات ضخمة والانخفاض الشديد في المعونات، على الرغم من علامات التعافي بعد تخفيف التدابير المتصلة بجائحة كورونا. بالإضافة إلى ذلك، كان لهذه الجائحة تأثير شديد على رفاهة الفلسطينيين، حيث أدت إلى ظهور فقراء جدد بين الفلسطينيين، فضلا عن زيادة واسعة النطاق في قابلية التأثر بانعدام الأمن الغذائي. ولا تزال الآفاق المستقبلية محفوفة بالمخاطر، وثمة حاجة إلى بذل جهود حثيثة لوضع الاقتصاد الفلسطيني على مسار مستدام.
جاء هذا في "تقرير المراقبة الاقتصادية الفلسطينية" الذي سيرفعه البنك الدولي إلى لجنة الارتباط الخاصة يوم 10 مايو/آيار 2022 في مدينة بروكسل، وذلك خلال اجتماع يُعقد على مستوى السياسات بشأن المساعدات الإنمائية المقدمة للشعب الفلسطيني.
ويُسلِّط هذا التقرير الضوءَ على التحديات الجسام التي يواجهها الاقتصاد الفلسطيني، والإصلاحات الضرورية على صعيد المالية العامة. كما يحدد المجالات الرئيسية، التي تأثرت فيها حياة الفلسطينيين بالجائحة والقيود المفروضة عليها.
وتعقيبا على هذا التقرير، قال كانثان شانكار، المدير والممثل المقيم للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: "على الرغم من الجهود الجديرة بالإعجاب لضبط أوضاع المالية العامة على مر السنين، ظل عجز المالية العامة ضخما. ونظرا للانخفاض الحاد في المعونات من 27% من إجمالي الناتج المحلي عام 2008 إلى 1.8% عام 2021، تراكم لدى السلطة الفلسطينية رصيد ضخم من المتأخرات المستحقة لكل من القطاع الخاص وصندوق المعاشات التقاعدية، والاقتراض المحلي. ونظراً لأن خيارات التمويل المحلية لم تعد ممكنة، فإن من الأهمية بمكان الاستمرار في تطبيق الإصلاحات ذات الأولوية لزيادة الإيرادات وتحسين استدامة المالية العامة".
وبعد واحدة من أكبر فترات الركود على الإطلاق عندما انكمش الاقتصاد بنسبة 11.3% في عام 2020، وصل معدل النمو إلى 7.1% في عام 2021. وترجع هذه الزيادة أساساً إلى ارتفاع الاستهلاك في الضفة في أعقاب تخفيف الإجراءات المتعلقة بجائحة كورونا وزيادة عدد الفلسطينيين العاملين في إسرائيل والمستوطنات. وكان تعافي قطاع غزة أبطأ في ضوء جولة الصراع التي شهدها في مايو/أيار 2021. وعلى الرغم من التعافي الاقتصادي، ظلت إدارة سياسات المالية العامة حافلة بالتحديات نظراً لأن حجم العجز قبل المعونات بلغ 1.26 مليار دولار، بينما بلغت المعونات مستوى قياسياً في الانخفاض إذ لم تتجاوز 317 مليون دولار في عام 2021. ونتيجة لذلك، اضطرت السلطة الفلسطينية إلى الاعتماد على الموارد المحلية لتمويل احتياجاتها، كما أنها تدفع رواتب جزئية منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
ولا يزال النمو الاقتصادي وإيرادات السلطة الفلسطينية أقل من إمكاناتهما بسبب القيود المفروضة على التنقل والوصول إلى الموارد، بما في ذلك في المنطقة (جـ). وتخضع التجارة الخارجية الفلسطينية لسيطرة إسرائيل وتخضع لحواجز غير جمركية باهظة التكلفة أدت إلى تراجع القدرة التنافسية. علاوة على ذلك، أدى الإغلاق الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة إلى وجود اقتصاد مغلق تماما تقريبا. ومن المتوقع أن يظل عجز المالية العامة (قبل المعونات) كبيراً في عام 2022 عند 5.1% من إجمالي الناتج المحلي.
ويدعو التقرير المجتمع الدولي إلى تقديم مساندة للموازنة من أجل المساعدة في تحقيق استدامة المالية العامة، ويحث السلطة الفلسطينية على بذل المزيد من الجهود لمتابعة الإصلاحات في مجال الإيرادات والمصروفات. ومع ذلك، يجب تنفيذ الإصلاحات تدريجيا لتجنب الآثار الاجتماعية السلبية، لاسيما في سياق ما بعد الجائحة. فعلى سبيل المثال، يجب أن يركز إصلاح الإيرادات في البداية على أصحاب الدخول المرتفعة الذين لا يدفعون المبالغ المستحقة عليهم. ويوصي التقرير أيضا بأن تعيد السلطة الفلسطينية النظر في الإنفاق على فاتورة الأجور، وتحسين القيمة مقابل المال في النظام الصحي، وتحسين إدارة صندوق المعاشات التقاعدية العامة، وخفض صافي الإقراض.
ويرى التقرير أنه وعلى الرغم من أن إصلاحات السلطة الفلسطينية ضرورية لخفض حجم عجز الموازنة العامة، فإنها ليست كافية لضمان التنمية المستدامة. ويؤكد التقرير أيضا أن تعاون الحكومة الإسرائيلية أمر ضروري لزيادة الإيرادات. ومن شأن منح منشآت الأعمال الفلسطينية إمكانية الوصول إلى المنطقة (جـ) أن يزيد إيرادات السلطة الفلسطينية بنسبة 6% من إجمالي الناتج المحلي. ويمكن أن تقوم الحكومة الإسرائيلية بتنظيم ونقل حصة السلطة الفلسطينية الشهرية من رسوم المغادرة من جسر اللنبي. ومن بين الأولويات أيضاً إعادة التفاوض على رسوم المناولة البالغة 3% التي تتقاضاها الحكومة الإسرائيلية لمناولة الواردات الفلسطينية. ويشيد التقرير بما تم مؤخراً من التنفيذ التجريبي لنظامٍ إلكتروني لتحصيل ضريبة القيمة المضافة، حيث يمنح التجار خيار إصدار إيصالات المعاملات رقميا. ويمكن تعزيز هذه الخطوة المهمة للتعاون بشأن مسائل المالية العامة بحيث يتم الربط بين النظامين في الوقت الحقيقي.
وقال شانكار: "في اقتصادٍ يعاني بالفعل من الضعف بسبب جائحة كورونا، تفاقم التأثير على سبل كسب العيش والرفاهة الفلسطينية. ولم تؤد الجائحة إلى تعزيز مواطن الضعف السابقة فحسب، بل أدت إلى ظهور عدد كبير من الفلسطينيين ممن دخلوا في دائرة الفقر في الآونة الأخيرة.
ويقدم تقرير البنك الدولي تحليلاً لأثر جائحة كورونا على زيادة معدلات الفقر. وهذا أمر بالغ الأهمية حيث يساعد التحليل في تحديد أكثر مواطن الضعف شيوعا وتوجيه الإجراءات التدخلية المستقبلية لمساندة موارد الرزق الأكثر قدرة على الصمود".
وفي ذروة الإغلاق والقيود الاقتصادية، دخل نحو 110 آلاف فلسطيني إضافي دائرة الفقر. ويتركز الفقراء الجدد في المناطق الريفية بالضفة الغربية، ومن المرجح أنهم يعيشون في أسر تعولها نساء. ومع فقدان 20% من أصحاب الدخل الرئيسيين الذين سبق لهم العمل لوظائفهم، انخفض الدخل في أكثر من 60% من الأسر الفلسطينية في ذروة الجائحة.
ويشير التقرير أيضا إلى أن ثمة قابلية واسعة النطاق للتأثر بانعدام الأمن الغذائي بسبب الجائحة حتى في الأسر الميسورة نسبياً في الضفة الغربية. وواجه الأطفال في الأسر الأشد فقرا أكبر الصعوبات في الحصول على التعليم أثناء عمليات الإغلاق، ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى نقص الاتصال بشبكة الإنترنت.