اليوم وقف مجلس النواب الأمريكي دقيقة حداد على فقدان الصحافية المميزة في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، التي تحمل الجنسية الأمريكية، على أثر اغتيالها في جنين، التي وصلت إليها لتغطية عملية اقتحام لقوة احتلال تابعة للجيش الإسرائيلي.
شعرت على الفور بالتناقض الجوهري الذي يحيط بهذا الحدث. هذا هو مجلس النواب نفسه، الذي لا يتردد في المصادقة شبه الجماعية على تزويد الاحتلال العسكري الإسرائيلي بالمال والسلاح، الذي يساعد على مواصلة الاحتلال.
لم يكن هذا هو التناقض الوحيد الذي شعرت به أثناء متابعة عمل شيرين الصحافي على مدى ما يزيد على عشرين عاما.
كان هناك دائما شعور بما يبدو كالمتناقضات التي أحاطت بها، وخصوصا بالصفات التي تحلت بها. فقد رأيتها فتاة شجاعة وقوية ومواظبة، تعمل بمهنية عالية، تؤدي بهدوء وصبر مهمات صعبة كمراسلة حربية في ميادين وظروف شديدة الخطورة، ورأيتها في الوقت ذاته فتاة دمثة ورقيقة وصادقة إلى حد يثير الإعجاب والاحترام. بدت أحيانا كفراشة جميلة تتطاير في حقل أشواك قاسية، ولكنها تبدو في الوقت ذاته كفراشة رقيقة، تطير من زهرة إلى وردة في حديقة غنّاء.
زاد إعجابي بعملها وبشخصيتها عندما تبيّن لي، أن ما كان يبدو تناقضا كان في الواقع تكاملا نادرا في الخصال الشخصية والمهنية التي تميزت بها، فجعلت منها مثالا رائعا للصحافي الناجح الذي يجمع بين المهنية والإنسانية. كانت دائما مستعدة للتضحية بكل شيء من أجل الحقيقة.
اغتالوك يا شيرين، الصحافية المتميزة، ولكن رسالتك الفلسطينية العظيمة ستبقى حية إلى أبد الآبدين.
وأنت ترحلين اليوم، ما يخفف من مرارة الأسى على رحيلك المفجع أنك، بهذا الرحيل، وضعت العالم كله أمام الحقيقة الناصعة التي اسمها: فلسطين.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com