لا تموت الشمس ولا تقتل أشعتها ولا يتوقف البحر عن الهدير ولن يستطيع القاتل إسكات عشرات آلاف الحناجر الهاتفة بحياة القضية، فشيرين القضية والقضية لا تموت شيرين صوتنا في كل المحافل وكانت صورتنا الأجمل أمام العالم.
شيرينُ هي هدير موجنا الموجِع للاحتلال، وعلى مدى ربع قرنٍ من الزمن، نقلت بكاءنا وجرحنا وفرحنا، وحلّقت مع أقمار فلسطين تنقل الحقيقة والحلم والألم، وفي الانتفاضة وعندما حاصرتنا المدافع والطائرات في أزقّة المخيّمات، أحضرت شيرين العالم لساحات مدارس مخيمات اللاجئين، ونقلت هذه الأماكن التي تنبض بالحياة والمقاومة، الى كل العالم، لتشهد جميعُ أرجائه حجمَ الجريمةِ والرصاص والقذائف الموجهة لصدور الأطفال والنساء والرجال. شيرين هي رفيقة أحلامنا وحريتنا وعندما اكتظت السجون بآلاف المناضلين وجدناها تُدخل معها الشمس إلى زنازين الاحتلال، التقيناها في العام 2006 باسمة لجموع الأسرى داخل أقسام سجن عسقلان تستمع لأحاديثنا وتفاصيل حياتنا، لتحمل صوتنا وتغلّف رسالتنا بقداستها المعهودة، شيرين التي دخلت قلوبنا قبل بيوتنا كانت تتسلّل بخفّةٍ إلى نواحي حياتنا تنقلها باحترافية وبأناقة استثنائية، فهي التي أبكتنا بحب وأفرحتنا بحزن، هي التي وقفت على تفاصيل حياتنا ولم تترك لزيتون فلسطين ليعاتبها مرة واحدة فكانت على الموعد دوما وكانت حاضرة في الزمان والمكان حين اختارت هي مكان استشهادها ببطولة أذهلتنا.
كانت رسالتها نقيّة كما كان ارتقاؤها أكثر نقاءً، وهي التي أرادت فضح المجرم في حياتها، تصرّعلى إكمال المسيرة وتعريته أكثر في خاصرته الضعيفة في موتها. شيرين التي ترفض الرحيل بصمت الهاربين من المعركة تثير عاصفةَ الصوتِ والكلمة والحقيقة والحرية في أرجاء المعمورة، وتنادي المستعبَدين للسياسة والمصالح ليحضروا تشييع الحقيقة في أكثر المواضع إيلاما، إنهم لم يلتفتوا لكلامها ولآلاف الصرخات وهي تقف على قدميها تجبرهم اليوم على الاعتراف بحقيقة عجزهم وهي مرفوعة فوق الرؤوس والأعناق .
شيرين تجبر العالم على الاعتراف بالحقيقة المقتولة والمستباحة منذ أربعة وسبعين عاما تجبره على الاعتراف بتخاذله بحق عشرات الآلاف من الجماجم المعلقة بعنقه فهو الذي حاول مرارا غسل يديه من دمائنا يجد نفسه بفضل دمائها محاصرا داخل مسرح جريمته المتواصلة على الأرض الفلسطينية.
شيرين لم تسقط فهي اليوم أكثر بهاء وحضورا وتجذّراً في قلوبنا، وهي التي واصلت إيصال الرسالة حتى النفَس الأخير وقطرة الدم الأخيرة، وحتى وإن لم يستحِ العالم من دمائها فهي ستبقى تحاصره وستجبره على الرضوخ لأصوات الملايين التي أحيتهم شيرين بارتقائها .
سلام عليكِ أيتها القديسة في نومكِ الأخير.
الأسير أسامة الأشقر (38 عاماً) من بلدة صيدا شمال مدينة طولكرم، يمضي منذ العام 2002 حكماً بالسجن لثماني مؤبدات وخمسين عاماً.