انسجاماً مع الظروف الحرجة التي نمر بها نحن فلسطينيو الداخل الفلسطيني في هذه الأيام، بودي أن أعرّف القارئ على رواية لم تأخذ حقها من التقدير ولا يعرفها إلا نـُدرة من القراء العرب، وهي في رأيي من أفضل ما كُتب من روايات حتى الآن عن أزمة الهوية التي يعاني منها الفلسطينيون بشكل عام والفلسطينيون الحاملون للجنسية الإسرائيلية بشكل خاص.
إنها رواية تحمل عنوان "الصدمة" لكاتب يسمي نفسه "ياسمينة خضرا"، وهو اسم مستعار لكاتب جزائري اسمه الحقيقي محمد مولسهول، ولد عام 1955 في الصحراء الجزائرية وتلقى دراسته الجامعية في فرنسا حيث يقيم الآن، وعلى الرغم من أنه يكاد يكون جندياً مجهولاً في العالم العربي إلا أنه يتمتع بشهرة عالمية بفضل رواياته التي يؤلفها بالفرنسية وتترجَم إلى عشرات اللغات، وأهمها على المستوى العالمي الروايات الثلاث: "بمَ تحلم الذئاب؟" و"خداع الكلمات" و"القريبة كاف".
ورواية "الصدمة" التي نحن بصددها الآن هي الجزء الثاني من ثلاثية مُكرَّسة لـما يدعوه المؤلف "حوار الطرشان بين الشرق والغرب"، وكانت قد سبقتها رواية "سنونوات كابول" (2004) ثم لحقتها رواية "أشباح الجحيم" (2006)، أما رواية "الصدمة" فقد صدرت بالفرنسية في باريس عام 2005 وكانت تحمل العنوان "L’Attentat"ثم قامت الدكتورة نهلة بيضون بترجمتها إلى العربية ونُشِرَت النسخة العربية من قبل دار الفارابي في بيروت عام 2007.
تدور أحداث الرواية في فلسطين، وتنتقل بنا بين تل أبيب وكفر كنا والناصرة والقدس وبيت لحم وجنين. وتبدأ أحداث الرواية عشية انتفاضة الأقصى عام 2000، وتنتهي مع انتهاء المجزرة التي ارتكبها جيش شارون في مخيم جنين عام 2001. وما هو رائع في الحبكة القصصية للرواية هو أنها تبدأ بإصابة بطل الرواية بجروح مميتة في غارة صاروخية شنتها الطائرات الإسرائيلية لاغتيال أحد القادة الشيوخ الذي كان متهماً بـ"التحريض على العمليات الانتحارية"، وتنتهي في اللحظة التي يلفظ فيها بطل الرواية أنفاسه الأخيرة وينطفئ وعيه. أما أحداث القصة التي يستغرق سردها 294 صفحة فتدور كلها، وبأسلوب سردي عجائبي مثير للاهتمام، في تلك الدقائق المعدودة التي تمر بين لحظة إصابة البطل ولحظة موته. وفي هذا السرد يحكي لنا الكاتب قصة طبيب شاب اسمه "أمين"، وهو فلسطيني الأصل إسرائيلي الجنسية، يعمل جرّاحاً في غرفة الطوارئ في أحد أكبر المستشفيات الإسرائيلية في تل أبيب، وفي أحد الأيام يُستدعى إلى المستشفى بصورة طارئة بعد حادث تفجير، ليكتشف أن زوجته هي منفذة العملية الاستشهادية...
"فكيف يُسَلِّم المرء بالمستحيل ويستوعب ما لا يدركه عقل أو خيال، ويكتشف أنه تقاسَمَ لسنواتٍ طويلة حياة وحميمية شخص يجهل عنه الأهم؟ للإجابة عن هذا السؤال، لابد من الدخول الى قلب الحقد والدم والنضال اليائس للشعب الفلسطيني."
أوج المغزى في الحياة السرية لزوجة أمين (الحبيبة الرومانسية المتفجرة)، يتجلى في رسالة تركتها لزوجها قبيل خروجها لتنفيذ العملية، والرسالة تحتوي على أربعة سطور فقط:
ما نفع السعادة، إذا لم يتقاسمها المرء يا حبيبي أمين؟ كانت أفراحي تخمد كلما كانت أفراحك لا تجاريها. كنتَ” تريد أطفالاً، كنتُ أريد أن أستحقهم. ما من طفل بمأمن تماماً بدون وطن.. لا تنقم علي. سهام."
في النهاية عليّ أن أقول: حرام ألا يقرأ كل فلسطيني هذه الرواية، وحرام ألا يعرف كل مثقف فلسطيني هذا الكاتب الجزائري الرائع، الذي يعرف فلسطين والفلسطينيين أفضل مما يعرفهما كثير من الفلسطينيين أنفسهم.