كانت الرغبة في إنشاء "دولة اليهود" -عنوان كتاب هرتسل- في أي مكان بالعالم -عدا في أوربا موطنهم- ثم في فلسطين تحديدًا هي بالحقيقة حل أبدي أو نهائي لأجل عيون أوربا العنصرية الاستعمارية وخدمة لها قبل اليهود أنفسهم، وبذلك شكلت ابتعادًا عن أفكار الاندماج ضمن مفاهيم المواطنة في كل بلد هم أبناؤه في أوربا.
دولة اليهود "القومية"، والتقسيم
ونشأت الفكرة "القومية" في عصر القوميات الأوربية داخل الصهيونية وسعت لفكرة "العلمنة" الشكلية ولعدم هيمنة الحاخامات على مقاليد الحكم لاحقًا، وفي ذات الوقت استخدام كل الرموز والعناصر والأحداث التوراتية كمظلة للدولة الصهيونية ومعرّف لها، وكما برز واضحًا فيما يسمى "إعلان الاستقلال"، وهي الأفكار التي تصبح في القريب (القرن 21) هدفًا لكل الأفكار المتصارعة سواء تلك العلمانية أم الدينية.
يذكر جمال زحالقة عن قرار التقسيم ثم إنشاء الكيان الصهيوني قائلًا أن: "ما حدث عام 1948 لم يكن تحررا من الاستعمار ولا استقلالا (لاسرائيل)، بل أكبر عملية سطو مسلّح في القرن العشرين، تم خلالها الاستيلاء على وطن بأكمله. فقد عملت الحركة الصهيونية عام 1948، على إقامة دولة يهودية في بلاد تقطنها أغلبية عربية فلسطينية، وكان من المستحيل تحقيق هذا الهدف دون استعمال القوّة العسكرية"
وأضاف أن ما تسمى "وثيقة الاستقلال" للكيان هي الوثيقة التأسيسية للدولة العبرية والمحدّدة لطابعها والمعبّرة عن هويّتها وتوجهاتها العامة. وهي تشمل تلخيصا للرواية الصهيونية المركزية حول حلم "شعب" "إسرائيل" بالعودة إلى "وطنه" ...الخ، وهي في جوهرها نص تبريري لإقامة الدولة استنادا إلى محاولة منح بعد قومي للمشاعر الدينية اليهودية، وإلى وعد بلفور الاستعماري وإلى الجزء المتعلّق بإقامة دولة يهودية في قرار التقسيم."
نفي الآخر والخوف
الحركة التي قامت على نفي الآخر، بدأت باستخدام الدين بكثافة فباتت تقوننه باستخدامات توراتية تشعرك بالاشمئزاز من ذات الحقيقة الاستعمارية والصهيونية التي لا ترى الآخر؟ فكيف يكون له أي حق وهو غير موجود؟ وإن وجد فلخدمة السيد أو المستعمر؟ او أبن الله المختار للأرض دون غيره من شعوب الأرض؟
هذ الصهيونية ذاتها رغم عديد تجلياتها هي التي استسهلت اللجوء للخداع لأصحاب الأرض، واستجلاب الاعتراف العالمي عبر منصة الانجليزالمحتلين الذين لم يكونوا بحاجة لذلك، إذ أنهم الساعين أصلًا لتحقيق حدث التكوين الاستعماري للدولة منذ القرن 19 وقبل أن يفكر أي يهودي باستعمار فلسطين أو غير فلسطين لأسبابهم الاستعمارية الخالصة.
إن الحركة الصهيونية اليوم التي تظهر وجِلة وخائفة. وتظهر بقساوة المستعمر القديم وبشاعة عنصريته تفهم أن المشروع قد استنفذ أغراضه، وهو ليس لهذا الزمان.
يقول د.رائف زريق: "إن "إسرائيل" بعد سبعة عقود من قيامها، وخصوصاً بعد حرب 1967، ما زال وجودها يُعتبر اعتداء على المنطقة برمّتها. وحالة العداء هذه تزيد في شعورها بالعزلة داخل المنطقة، وترفع منسوب القلق الوجودي لدى سكانها، الأمر الذي يولد ويفاقم الحاجة إلى الاعتماد على قوى خارجية."
ويقول "ابراهام بورغ" رئيس الكنيست السابق: "إنّها دولة تحمل في داخلها عنصريّة توراتيّة مكشوفة تؤيّدها وتدعمها بصورة عمليّة حلقات نشطة وصامتة من التقليديّين المؤمنين بأنّ هذه هي اليهوديّة الصحيحة"، منبّهًا إلى أنّ ثمّة في "إسرائيل" طبقات ومستويات رهيبة من العنصريّة لا تختلف في جوهرها عن تلك الّتي أبادت اليهود".
المشروع الصهيوني وعبر أداتِهِ الضاربة "إسرائيل" بقيمها العنصرية والأبارتهايدية، والمقترب من النازية كما قال بورغ (والاستخدامات الدينية التحريضية الموهومة تاريخيًا) بدا يضعف ويختلف ويتآكل.
ومع كل المحاولات الصهيونية لنقل يهود العالم الى فلسطين تظل أمريكا بيهودها متمنعة بتيارات صهيونية وتلك الرافضة للفكرة، فليست فلسطين ممثلة بالكيان السياسي القائم تحوي يهود العالم، فلكل وطنه، وتظل عديد الجاليات أوالجماعات اليهودية لا ترى ب"إسرائيل" حقيقة الوجود للكل اليهودي الديانة المتنوع عبر العالم، ومازال في العالم من يرى بالصهيونية عدو اليهودية الأول كما كتب "آلان هارت" بكتابه الضخم ذو الأجزء الثلاثة، وكما قدم له المفكر الإسرائيلي "إيلان بابيه" صاحب كُتُب التطهير العرقي، والفلسطينيون المنسيون، وعشر خرافات عن "إسرائيل".
(الحلقة الرابعة من سلسلة حلقات حول: الفكر الصهيوني بين القهر والخوف)
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com