بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق محمود أبو بكر: "فرج الله كرب الأحرار . تبدل الزمن ولم تتبدل مبادئهم تبدل المكان ولم تتبدل عزائمهم تبدلت الرؤيا ورؤيتهم ثابتة ثاقبة بوصلتها القدس ... الفرج القريب والعزيز لهم من علمونا الشموخ".
وعقّب الروائي مصطفى عبد الفتاح: "الحرية لكل الاسرى وبوركت جهودك وزياراتك التي لا تنقطع وتترك بصماتها على الجميع."
"مكُنّاش هيك"
غادرت حيفا السادسة صباح يوم الخميس 28.04.2022 في طريقي إلى النقب، بعد لقائي براتب وضياء في سجن نفحة الصحراويّ، وبعد ساعة من الانتظار؛ بسبب العدد المقيت الذي باغتني، وأبقاني في غرفة المحامين، ليمر بمخيّلتي شريط اللقاءات مع أحرارنا في السنوات الأخيرة. تقطع حبل أفكاري طلّة الأسير ناصر محمود عويص البهيّة التفاؤليّة، التقيته للمرّة الأولى، وسألته: "من أين لك هذا؟"، رغم أسره منذ 13.04.2002 لم يفقد ابتسامته العذريّة.
بدأ يحدّثني بلهفة عن مركز يافا الثقافي في مخيّم بلاطة وفعاليّاته، وكم هو سعيد باستمراريّته بقيادة المايسترو تيسير نصر الله وبدأ يرتّب ندوة حول "ترانيم اليمامة" هناك!
يؤلمه تراجع الثقافة والانتماء، "مكُنّاش هيك"، فالتنظيمات انمحت، ومعها انهارت القيم وهذا ما يلمسه حين اللقاء بالمعتقلين الصغار، ينقصهم الوعي ويصعب تثقيفهم وتعبئتهم، لأن اهتماماتهم غير شكل.
سقى الله أيان الزمن الجميل، شبيبة تلتقي لتتثقّف وتنهل القيم في زمن البراءة ما قبل الانتفاضة وضياع البوصلة.. والوطن.
حدّثته بالتفصيل المملّ عن مشاويري الأخيرة لبلاطة، المخيم والبلد، لقاء أسيرين تحرّرا حديثًا والمشاركة باحتفائية "رسائل إلى قمر"، أزقّتها والعوّامة الرمضانيّة وما رسخ في الذاكرة.. وأهلها الطيّبين.
"كلّ زيارة بتحييني من جديد!"
مباشرةً بعد لقائي براتب وضياء وناصر، التقيت صديقي حسام زهدي شاهين، هادئًا وبشوشًا كعادته، تعانقنا وتبادلنا القبلات عبر الزجاج البغيض، وبدأ بالاستفسار عن زوجتي سميرة والأحفاد والبنات وحيفا وأهلها.
أوصل لي سلامات قسّام وزملاء الأسر، وطمأنني على صحّته، وسألني عن حال ووضع حرائر الدامون والأسرى الذين التقيتهم في الفترة الأخيرة.
خبّرته عن ندوة قريبة في عمان لمناقشة "زغرودة الفنجان" ضمن مبادرة حزب الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني، وتناولنا مشروع "طقوس الكتابة خلف القضبان" والكتّابة التي صنعها ومشاركته، ووصلنا إلى النكبة وإحياء ذكراها، فعلًا لا قولًا، لينفعل مع فكرة إطلاق ديوان "أنا سيد المعنى" للأسير ناصر الشاويش تزامنًا مع ذكرى النكبة على أراضي قنّير المهجّرة وحلمه أن يكون معنا هناك.
تحدّثنا عن اهتمامه وزملائه الأسرى بتأمين التعليم الجامعي للطلبة المحتاجين عبر مصروف الكانتينا! وعن قمره التي تكبر أمام عينيه ويتوق لاحتضانها.
قال لي حسام حين حانت ساعة الفراق: "كلّ زيارة بتحييني من جديد!"
تواعدنا أن نلتقي في حيفانا التي يعشقها ليتذوّق كعكات سميرة العيد الجاي.
لكم أعزاءي ناصر وحسام كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكم ولجميع أسرى الحريّة.