أعلن البيت الابيض نية الرئيس الأمريكي بايدن زيارة المنطقة لاول مرة منذ توليه منصبه في قيادة الادارة الأمريكية. وفي ظل ما يرشح عن نتائج متوقعة لهذه الزيارة بإعتبارها زيارة بروتوكولية الطابع وقد تتضمن بعض المساعدات الاقتصادية تمنح للسلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تعاني من عجز كبير في دفع فاتورة الضرائب والنفقات العامة، فإن الأجواء في رام الله غير متحمسة بتاتاً لهذه الزيارة، لأنها تخلو على ما يبدو من أي مبادرة سياسية لحل الجمود في العملية السلمية الذي إستمر منذ مؤتمر أنابوليس عام 2007 الى هذه اللحظات. وفي الوقت الذي يزداد إحباط الشعب الفلسطيني جراء هذا الجمود، وجراء التغول والعدوان الاسرائيلي المستعر في الأراضي الفلسطينية المحتلة لاسيما في القدس، فإن القيادة الفلسطينية لا تملك الوقت الكافي لإضاعة الجهد في لقاءات بروتوكولية تتناول القضية الفلسطينية بإعتبارها قضية إنسانية وإقتصادية وليست قضية سياسية. وقد أعرب فخامة الرئيس أبو مازن أكثر من مرة عن إعتراضه على طريقة تناول القضية الفلسطينية من قبل الحكومة الاسرائيلية بإعتبارها قضية إقتصادية، وهو الأمر الذي ورد في تصريحات وزير الحرب الاسرائيلي غانتس. ويخشى السيد الرئيس أن يتم تكرار هذا الموقف أثناء زيارة بايدن لبيت لحم في أواخر الشهر الجاري كما هو متوقع. وليس من المستغرب ما ورد من تحذيرات على لسان الأخ حسين الشيخ أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بإعتبار القضية الفلسطينية على حافة الهاوية، وأن عدم وجود شريك حقيقي للسلام سيؤدي الى تفجر الأوضاع في المنطقة ككل. وهو ما تشهده الاراضي الفلسطينية المحتلة في هذه الأوقات حيث ترتفع أعداد الشهداء يومياً، وتتوسع أعمال المقاومة الشعبية في كل مناطق الضفة الغربية، وتزداد وتيرة الاستيطان والفصل العنصري في الضفة الغربية، وتقوم قطعان المستوطنين بإقتحامات متكررة للمسجد الاقصى تماماً كما حدث قبل بضعة أيام في مسيرة الأعلام الاستفزازية.
إن المراقب للأوضاع المتفجرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يكاد يجزم بأن حكومة بينيت-لابيد ليست شريكاً لأي عملية سلمية تماماً كالحكومة الاسرائيلية السابقة "حكومة نتنياهو". إنهم بإختصار لا يريدون السلام ولا يسعون اليه. وجل ما يسعون إليه هو فرض حكم ذاتي هش في التجمعات السكانية الفلسطينية (مناطق أ وب) في ظل نظام فصل عنصري محكم السيطرة لا يقود الى دولة فلسطينية مستقلة، وانما يقود الى نظام جديد ومختلف في العلاقات الدولية وهو ما يمكن تسميته "بنظام الفصل العنصري الاحتلالي" بمعنى أنه مختلف عن نظام الابرتهايد الذي كان سائداً في جنوب أفريقيا بإعتباره نظاماً داخلياً في إطار الدولة الواحدة، أما النظام المزمع فرضه على الشعب الفلسطيني فهو نظام فصل عنصري لكنه ليس في إطار الدولة الواحدة وإنما في إطار دولة تحتل كياناً وتمنحه حكما ذاتياً وسلاماً إقتصادياً.
في الواقع، على الادارة الأمريكية الديمقراطية أن تختار بين قيم حقوق الانسان التي تروج اليها في العالم أجمع وبين إستمرار تحالفها الأعمي مع دولة الاحتلال "إسرائيل"،والتي تنتهك يومياً حقوق الانسان الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره. وبالضرورة، فإن تنفيذ الوعود التي قطعتها إدارة بايدن للفلسطينيين أثناء حملتها الانتخابية والمتعلقة بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وإعادة منح المساعدات الاقتصادية وتقديم حلول سلمية تنسجم وقرارات الشرعية الدولية، يجب تنفيذها جميعاً قبل زيارة بايدن المتوقعة الشهر الجاري. وفي النتيجة، فإن على بايدن أثناء زيارته أن يسقط ورقة التوت عن حكومة اليمين الاسرائيلية ويجبرها على تحمل مسؤولياتها وفقاً للقانون الدولي. فالمسألة اليوم ليس كما يتهم وزير المالية الاسرائيلي ليبرمان الرئيس أبو مازن بأنه لا يؤمن بالسلام وبأنه يمارس "الارهاب السياسي" على حد قوله، وإنما المسألة اليوم هي أن اسرائيل ليست شريكا للسلام وعلى المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، ان يسائلها على جرائمها.