تكمن أهمية الموقع الاستراتيجي لدول الشرق الأوسط في أنه يحتوي على ثلاثة ممرات مائية استراتيجية وما يقرب من نصف احتياطيات النفط المعروفة في العالم، ويكفي فقط النظر الى ما تسببت فيه، جنوح السفينة العملاقة "إيفر غيفن" في قناة السويس، لمدة ستة أيام من خسائر على الاقتصاد العالمي حيث بلفت الخسائر في ستة أيام فقط ما يقرب من 60 مليار دولار في التجارة. على اعتبار أن اثنا عشر في المائة من التجارة العالمية تمر عبر هذا الممر الضيق.
تعد قمة المناخ في مصر ذات أهمية عالية نظرا لأنها تسلط الضوء على التغيرات المناخية تمر بها والتي تكلف اقتصاد المنطقة 13 مليار دولار سنويًا، كما تلقي بانعكاساتها على الاقتصاد العالمي بشكل عام لارتباط الأسواق الخليجية المصدرة للنفط وحركة التجارة العالمية التي تتأثر بفعل العوامل المناخية والعواصف الرملية التي تضر المنطقة وتحديدا قناة السويس إذ ان أي تعثر لمسار السفن هو خسارة مادية للتجار العالميين.
تبدوا التغيرات المناخية في منطقة الشرق الأوسط بارزة بشكل كبير في العراق الذي تضرر منها العراق بشكل خاص مع ازدياد وتيرتها، حيث حدثت العواصف على أساس أسبوعي تقريبًا هذا الربيع بمعدل 9 عواصف على خلاف العادة حيث المعدل الفصلي لها لا يتجاوز 3 عواصف في الشهر وهو ما دفع محمد محمود، مدير برنامج المناخ والماء في معهد الشرق الأوسط أن يطلق ناقوس الخطر وينبه لأن ما يحدث في العراق سيكون له انعكاسات على البلدان المجاورة في المنطقة ومن المرجح أن يصل مداها الى ليبيا.
وتخلف العواصف الرملية والتصحر أثارا سلبية المحاصيل الزراعية كما تؤدي الى اغلاق الملاحة الجوية والبحرية إضافة الى التكلفة المالية التي تتكبدها الحكومات جراء التعويض للفلاحيين الذين تتضرر محاصيلهم الزراعية إضافة الى ارتفاع فاتورة الغداء مع تراجع نسبة الاكتفاء الذاتي من المحاصيل وهو ما يعني منطقيا أن التغيرات المناخية تهدد الأمن الغذائي لدول المنطقة ، ويكفي الإشارة الى أن تراجع منسوب مياه نهر الفرات في العراق قد أثر بشكل ملحوظ على المحاصيل في شمال شرق سوريا وبالضبط في مدينة الرقة التي تأثر فيها موسم حصاد الذرة لهذا العام، لينعكس هذا على أسعار أعلاف للدواجن.
ومع ارتفاع درجات الحرارة بفعل ذوبان الجليد في القطب الشمالي الذي يفسره المختصون على أنه يقلل درجة الحرارة الناشئة بين المنطقة القطبية وخطوط العرض الوسطى، الأمر الذي يجعل أنظمة الطقس تتحرك ببطء فوق منطقة الشرق الأوسط وهو ما يعني انخفاض احتمالية هطول الأمطار أكثر فأكثر في منطقة الشرق الأوسط برمتها لتصبح أزمة المياه تهديدا حقيقا للأمن القومي لهذه البلدان التي تعتبر فيها معدلات الهطول في الأصل شحيحة فما بالك بالتغيرات الحاصلة والتي تحصل باستمرار.
وكانت الامارات السباقة في المنطقة لمواجهة خطر التصحر و العواصف الرملية المتزايد، حيث أطلق معهد مصدر في الإمارات العربية المتحدة نظامًا عالي التقنية للتنبؤ بالغبار يمكن لدول الشرق الأوسط استخدامه للاستعداد بشكل أفضل للعواصف الكبرى، كما أدركت السعودية التحديات الخطيرة التي تواجهها المنطقة وأطلقت مشروعا ضخما يتضمن زراعة 20 مليون شجرة بحلول 2040 ضمن مبادرة "السعودية الخضراء" لمواجهة تحدي التصحر والتعري المتزايد للغلاف النباتي، كما باشر العراق خطته في تأهيل عشر واحات في صحراءه الغربية لمواجهة زيادة العواصف الترابية، وبرزت رؤية مصر في إعادة تأهيل سيناء وإطلاق مشاريع تنموية من ضمنها حملات تشجير وزيادة المساحة الخضراء المزروعة .
وحتى وان كانت حكومات المنطقة قد تحركت من اجل مواجهة هذا الخطر المحدق بها الا أنها مطالبة بالمزيد من الجهود والدعم الدولي من أجل خفض الانبعاثات الكربونية وتوجه الدول الكبرى المصنعة الى نموذج الطاقة المتجددة الذي يقلل الأضرار على تغير المناخ العالمي وازدياد معدلات التلوث البيئي الذي يضاعف تأثر طبقة الأوزون لتفادي أن تصبح تحت رحمة العواصف الترابية الصيفية المتكررة على المدى الطويل، وخطر العطش الذي يزداد مع انخفاض منسوب المياه الجوفية في العراق وانخفاض معدل التهاطل في بلدان الخليج شتاءا إضافة للأزمة مصر مع أثيوبيا فيما يخص سد النهضة، وهنا تكمن أهمية قمة المناخ في مصر بأن تكون إنذارا للقوى العالمية بالأخطار المحدقة بمنطقة الشرق الأوسط التي تعتبر الشريان الرئيس لاقتصاد العالم .