مَشى العيدُ في السَّاحاتِ في الطُّرُقاتِ.. يَتيمًا، حَزينًا، ساخِنَ العَبَراتِ
وَيَشْرَقُ مِلْغَصَّاتِ يَمْسَحُ دَمْعَهُ.. وَيَخْتَنِقُ التَّكْبيرُ حينَ يُواتي
يُفَتِّشُ عَنْ شَيْخٍ يُسَبِّحُ رَبَّهُ.. بِظِلِّ جِدارِ البَيْتِ وَالشَّجَراتِ
وَجَمْعِ كُهولٍ عِنْدَ شَيْخِ مَضافَةٍ.. وَقَهْوَتِهِ مَحْبوبَةِ الحَضَراتِ
وَأَطْفالِ حَيٍّ غارِقينَ بِفَرْحَةٍ.. وَقَدْ مَلَأُوا الأَرْكانَ بِالضَّحِكاتِ
يَطوفونَ صُبْحَ العيدِ أَطْيارَ أَيْكَةٍ.. عَلى الأَهْلِ وَالجيرانِ في الجَنَباتِ
وَغيدٍ قَطَعْنَ اليَوْمَ فَوْقَ مَراجِحٍ.. وَطُفْنَ عَلى الجَدَّاتِ في البُكُراتِ
يُفَتِّشُ عَنْ أَمْنٍ تَغَشَّى مَنازِلًا.. قَديمًا، وَعادَ اليَوْمَ حِلْفَ شَتاتِ
تَنَحَّى كَشَيْخٍ أَقْعَدَ الدَّهْرُ جِسْمَهُ.. لِكَثْرَةِ بَحْثٍ وَافْتِقادِ شُداةِ
فَقُلْتُ: عَلامَ الدَّمْعُ يا عيدُ وَالبُكا.. أَأَنْتَ غَريبٌ تَشْتَكي الغُرُباتِ؟
فَقالَ: لَقَدْ ضَيَّعْتُ أَهْلي وَعُزْوَتي.. وَضَيَّعْتُ دَرْبي، بَلْ أَضَعْتُ لِداتي
فَلا تُرْهِقَنِّي بِالسُّؤالِ فَإِنَّني.. أَحِنُّ إِلى أَمْسِي البَعيدِ وَذاتي
أَحِنُّ إِلى أَهْلٍ يُحِبُّونَ بَعْضَهُمْ.. إِلى عَدْوَةِ الفِتْيانِ وَالفَتَياتِ
إِلى لَحْنِ تَكْبيرٍ يُشَنِّفُ سامِعًا.. وَيَبْعَثُ في نَفْسِ الشَّجي البَسَماتِ
أَحِنُّ إِلى أَمْنٍ وَسِلْمٍ تَرَحَّلا.. وَصارَ عَزيزَ القَوْمِ ذو الطَّلَقاتِ
إِلى اللهِ أَشْكو غُرْبَتي وَتَجَرُّعي.. كُؤوسًا سَقاني العَصْرُ قَصْدَ مَماتي
أَفي كُلِّ يَوْمٍ لِلْمَنِيَّةِ صَهْلَةٌ.. كَخَيْلِ سِباقٍ أُطْلِقَتْ بِفَلاةِ؟
لَها خَبَبٌ فَوْقَ الصَّعيدِ مُحَفِّزٌ.. وَتَحْتَرِفُ الإِهْماجَ في السُّعُراتِ
وَتَعْصي سِياطًا أَلْهَبَتْها كَأَنَّها.. مَتى السَّوْطُ أَهْوى، البَرْقُ في الظُّلُماتِ
وَما إِنْ تُوارى جُثَّةٌ فَلِأُخْتِها.. صَدًى يوقِظُ الـمَوْتى بِغَيْرِ أَناةِ
وَلِلثَّأْرِ عَدْوٌ لا يَكِلُّ وَلا يَني.. وَلِلدَّمِ ريحٌ عَلْقَمُ النَّكَهاتِ
فَدَعْني أُغادِرْ فَالبِلادُ وَسيعَةٌ.. لَعَلِّي أُلاقي السَّعْدَ لا الحَسَراتِ