هنا في هذا المقام؛ لا بدّ من التّوضيحِ لهذه القراءةِ التي سوف تتركُ سردَ الأحداثِ وتدخلُ في تركيبةِ المادّةِ الخامِ، كما في الفيزياءِ – أساسِ الإبداعِ وجوهرِه – اللغة، وذاك النّهرُ المنسابُ إلى البحرِ "إلى قلبِ الروايةِ وقلبِ القارئِ"، والأحداثُ تعلو وتسمو وتتصارعُ وأنتَ في سباقٍ مع الحدثِ واللغةِ الشّفّافةِ الشّعريةِ إلى المصبِّ الأخيرِ.
قلتُ سأكتبُ عن اللغةِ في الروايةِ:
اللغةُ ليست فقط أداةَ التّفاهمِ بين الشّعوبِ وتبادُلِ الثّقافاتِ – اللغةُ فكرٌ كلّمَا اتّسعَت لغتُكَ كلّمَا اتّسعَ فكرُكَ وأدرَكَ البَشريّةَ والعالمَ. الفكرةُ تُصاغُ كالجوهرةِ في مصانعِ الفكرِ وكلّمَا سمَا فكرُ المُبدعِ كلّمَا كانت الأدواتُ والوَسائِلُ للتّفاهُمِ أقرَبَ وأعمَقَ في نفسيّةِ المُتلقّي.
منذُ اللحظةِ الأولى، الكاتِبَةُ مُمسكةٌ خيطًا شفّافًا لامعًا يبرقُ بين يديكَ بالألوانِ الزّاهيَةِ المُرصَّعَةِ بشفافيّةٍ تجذبُ جماليّةَ العِبارَةِ والسّكبَ الرّشيقَ، وتصِلُ بِنا إلى حدٍّ "الأقوالِ والحكَمِ" ولكن بطريقةٍ تجعلُكَ تتوقّفُ وتُفكِّرُ مع الكاتبةِ، وتلكَ هي الميزةُ الرّائعةُ في الفكرِ – كيفَ نسمو مع الكاتبةِ لحياةٍ أفضل - مع أَنّني أنقلُ هذه الجُملةَ كي أُثبتَ أهمّيّةَ الطّرحِ اللغويّ وأهمّيّةَ امتِلاكِ ناصيَةِ الكتابَةِ.
هناك هَندسةٌ مِعماريّةٌ في التّصميمِ لهذا البناءِ الرّوائي.. ربّمَا الكاتبةُ سجّلَت الأحداثَ قبلَ الشّروعِ في الكِتابةِ وربّمَا اعتمدَت أن تكونَ اللغةُ نسيجًا جماليًا يجذبُ المُتلقّي إلى أعماقِ الأحداثِ.
كما استطاعَت بفنّيّةٍ صقلَ الفكرةِ إلى مرمَى الفكرِ، تعلُو في الحِواراتِ المتمكّنَةِ من ناصّةٍ للفكرةِ حتى بلوغِ الهدفِ بلا ابتذالٍ أو إبهامٍ في إيصالِ الفكرِ المقصودِ. وهنا أهمّيّةُ المَعرفةِ العَميقةِ للغَةِ واستيعابُ الثّقافةِ الشّاملَةِ للوصُولِ إلى الفكرةِ، والسّموُّ بنا نحوَ الفكرِ والتّأمّلِ والخروجِ بأهمّيّة الرّوايَةِ (الرسالةِ)
كلمةٌ أخيرةٌ:
الرّوايةُ ككلِّ جميلَةٍ مُمتِعةٍ ورائعةٍ في تقديمِ التّفاصيلِ الحياتيّةِ والتّجاربِ الهّامّةِ التي نقلَتها الكاتبةُ للشّبابِ أولًا، وبعدَهَا كلّما تَقدّمَ بنا العُمرُ أو سافرنَا عبرَ الزّمَنِ.
التّحيّةَ للكاتبَةِ حليمة، وأتمنّى ذاتَ زمنٍ أن أعودَ إليها، فهي تستحقُّ وأكثرُ.