في خلال تجوالي عبرالسهول المترامية الأطراف لصفحات الإنترنت
صادفت هذه العبارات الجميلة
التي تتحدث عن فن الكتابة حيث يقول كاتبها
"الكتابة شأنها في ذلك شأن سائر الأشكال الفنية
تتطلب قدرا كبيرا من الحرفية، وفي الوقت الذي يمكن أن نجزم فيه أن لكل منا قصة شيقة يود أن يرويها
أو قصة قصيرة عالقة في ذهنه وفي قلبه ، وأن بعضنا ربما يود أن يدون مذكراته في يوم من الأيام
أو يؤلف مقال يرتأيه في صحيفة من الصحف، أو حتى يعد تقريرا جيدا في مجال عمله، فإن الكثير منا يتمتع بالمقدرة على وضع ما يكتبه في قالب مثير للإهتمام مشوق للقراءة ، بآختصار فكلنا يحتاج الى تنمية حد أدنى من القدرات الكتابية، ليستفيد بها في عمله أو يمارس بها هوايته، وحتى الكتّاب ذوي الخبرة يتعين عليهم أن يتجنبوا أن يصيب الجمود عملهم
مما يستوجب تطوير قدراتهم الفنية بشكل مستمر" لعمري أن هذه الأقوال جاءت مطابقة لأخي وصديقي الكاتب المبدع أمين خير الدين
تماما كبدلة عرس خاطها العريس لدى خياط ماهر
حيث اهداني مشكورا آخر ما خطته انامله المبدعة من قصص قصيرة
استوحاها من الحياة اليومية التي يعايشها
فجاءت كلوحات أدبية و فنية رائعة ومشوقة
لتلقي الضوء على واقعنا الذي نعيشه بمختلف جوانبه
وليصور من خلال قصصه أحاسيس ومشاعر الناس
والواقع الأليم بكل صدق وعفوية
الى حد مثير للشفقة وللسخرية في آن واحد
فكاتبنا (امين) يعمل بشكل دائم على تطوير قدراته الفنية
ليفاجأنا كعادته بكل شيء جميل ومدهش
!! فكان نتاجه الأخير ( وكان ابنه الثمن ) هو تحفة فنية من حيث الشكل والمضمون
كيف لا
وأمين خير الدين صاحب قلم سيال وقدرة خلاقة على انتاج الصور الأدبية الجميلة والبديعة
استطاع ويستطيع من خلالها ان يرسم بكلماته لوحات ادبية غاية في الجمال
فهو صاحب اسلوب سلس وشيق ينم عن تمكنه في اللغة ومفرداتها وتعابيرها
فيصوغها في جمل وعبارات تقترب في كثير من الأحيان الى اللغة الشعرية الجميلة
حيث يشدك أسلوبه الى متابعة القراءة وعدم التوقف والإنتقال من قصة الى قصة تماما كما تتنقل النحلة من زهرة الى أخرى
بحثا عن الرحيق العذب والحلو
يقع الكتاب في 190 صفحة من القطع المتوسط
ضمنه الكاتب حوالي 62 قصة وصورة قلمية قصيرة
والصادر عن مكتبة كل شيء لصاحبها الأخ صالح عباسي
ليضيف هذا الكتاب الى رصيد ابداعاته البالغ 6 مؤلفات ( رسائل الى ولدي / المخدرات هي الطاعون / قصص قصيرة / العين الثالثة / والرجل الذي قتل ظله / الشيطان الذي يحاضر ) وتتمحور جميع مؤلفاته عن توجيه ونقد الى الظواهر السلبية
المتفشية في مجتمعنا وليدق ناقوس الخطر في وجه مجتمعنا كي يتادرك الأوضاع الإجتماعية والسياسية وحتى الثقافية المتدنية التي وصلنا اليها
محاولا طرح حلول الى كيفية تصليحها او تفاديها ومن ثم ليوجه السفينة نحو مسارها الصحيح
وهذا ليس غريبا على أديبنا (أمين) فهو مربي ومعلم ناجح وذو ضمير حي
اتخذ من مهنته رسالة وليس مكسبا فحسب
فأحب تلاميذه وبادلوه نفس الحب وما زال يحظى بحبهم واحترامهم دائما
وقد بدأها بقصة – أحلام سائبة – وختمها بقصة – زمرة واحدة – إلا أنه اختار قصة – وكان ابنه الثمن – ليتوج بها مجموعته كعنوان
هذه القصة التي يصور فيها وقع العملاء الذين ينافقون ويبيعون ضميرهم ويسمسرون على ابناء شعبهم كل ذلك على حساب كرامتهم ومصالح شعبهم ووطنهم
حيث يتعاملون بشتى الطرق غير المشروعة للوصول الى مبتغاهم
شعارهم – الغاية تبرر الواسطة – حتى ولو كان الاتجار بالمخدرات والممنوعات
هذه الآفة الخطيرة التي باتت تنتشر في مجتمعنا خاصة بين جيل الشباب كل ذلك تحت انظار وبصر المسؤولين
هؤلاء الزمرة النكرة الذين وصلوا الى ما وصلوا اليه من مركز حتى ياتوا ينافسون ويتطلعون للسيطرة على مقدرات وخيرات البلد والوطن وذلك من خلال ترشحهم لمناصب قيادية على المستوى المحلي والعام !!! هذه الطموحات التي أعمت عيونهم حتى عما يجول ويدور داخل بيوتهم وتحت أنظارهم
حيث تروي القصة كيف ابن العميل قد انحرف بتشجيع من والده الى الاتجار بالمخدرات مما ادى الى القبض عليه وجزه في السجن
كنهاية كل مجرم
ليصدق فيه المثل – وجنت على نفسها براقش – الا ان المجموعة تتناول العديد من المواضيع الأجتماعية والسياسية وغيرها التي نعايشها يوميا
كقضايا سلب الاراضي والبطالة والمخدرات والاغتصاب الخ
اضف الى ما يتعرض اليه ابناء شعبنا في الارض المحتلة من اذلال ومضايقات تصل الى حد قطع لقمة العيش
منتقدا الكاتب ظاهرة التجنيد الاجباري الذي فرض على ابناء طائفته من بني معروف وعلى ظاهرة التطوع الى الخدمة العسكرية التي تفشت بين شباب الأقلية العربية في البلاد
الذي باتوا اداة لتنفيذ سياسة السلطة ضد ابناء شعبهم وحتى ضد الشرقيين من ابناء جلدتهم
كما يتعرض الكاتب الى ظاهرة النفاق الاجتماعي المفضوح الذي بتنا نراه ونسمعه في المناسبات من كره وفرح
حيث يكال المديح او الرثاء – هيل من دون كيل – ليجعلوا من الفار اسدا ومن البخيل حاتم طي ومن الجبان عنترة بن شداد الخ
ويظهر ذلك في قصته – مسح جوخ – حيث يقول على لسان احدى شخصيات القصة – لا تعجب فقد تعامل المتوفي مع الناس بالكلام فودعوه بالكلام – كما ينتقد رجال الدين ممن يتسترون وراء زيهم – ليعملوا السبعة وذمتها – ممن ينهون عن المنكر ويفعلونه – كما صورها في قصة – موت غامض – كذلك لم ينس ان يتطرق الى ظاهرة العنف المقلقة على الشوارع التي يذهب ضحيتها العشرات من الابرياء اضف الى قتل الابرياء على يد الجنود في الارض المحتلة
ليخرج الجاني بقدرة قادر هو المجني عليه والضحية هي الجاني !! وذلك يظهر من خلال قصة _ إشارة- أي المؤشر الضوئي – كما انه لا ينسى انتقاد الساسة ممن يرسلون الجنود الى ساحة المعركة
بدل التمحور في معركة حول السلام
ليذرفون دموع التماسيح فوق جثمان من يسقط من الضحايا ناسين انهم هم من ارسلهم الى هذا المصير
كما يبدو في قصة – دموع الرئيس – أما في خاتمة الكتاب يتحدث كاتبنا عما تتعرض له النساء والفتيات في الارض المحتلة من اذلال واغتصاب على يد الشرطة والجنود
الذين تبرأ ساحتهم في اروقة المحاكم لتصبح الضحية هي المعتدي والمعتدي هو المجني عليه !! وهذا ليس غريبا اذ كيف يدين القاضي نفسه وهو من ارتكب الجريمة !! هذا غيض من فيض مما جاء في هذه المجموعة الشيقة لذا فاني اترك للقارىء متعة سبر اغوار هذه المجموعة ليتمتع بقراءتها
عوضا عن الجلوس امام التلفاز ومشاهدة المسلسلات التي لا تمت الى واقعنا بصلة
بل على العكس تتنافى وكل القيم الأصيلة التي تربينا عليها