لم تأت المصافحة التاريخية بين أبو مازن وهنية على هامش استقبال الرئيس الجزائري بجديد، ولم تكن سوى مجرد در الرماد على العيون وخدمت صورة الجزائر المدافعة عن القضية الفلسطينية أكثر من خدمتها للقضية الفلسطينية في حد ذاتها. ولقد اخترت التريث قليلا قبل كتابة هذا المقال لعلني أجد من المؤشرات ما يدفع بالتفاؤل ويعطي بارقة أمل في تحول المصافحة التي أتت على شكل مجاملة إلى مصالحة حقيقة تجمع الفلسطينيين بعد أن فرقتهم المصالح والكراسي.
وحتى وان كان هنية قد أشار خلال مقابلة تلفزيونية مع إحدى وسائل الإعلام الجزائرية بأن النظام الجزائري كان يسعى منذ مدة إلى الترتيب لحوار فلسطيني فلسطيني إلا أن نوايا حماس في المضي قدما نحوها لم تكن ملموسة على مدى شهور تخللتها العديد من الحملات الإعلامية الهجومية ضد حركة فتح واتهامها ببرودة الموقف مع ما يحصل في القدس من انتهاكات للاحتلال والتضييق على غزة من خلال رفع الضرائب وصرف الرواتب، ولهذا فإن ما حصل في الجزائر لم يكن سوى لقاءا شرفيا خاليا من أي اتفاق أو خارطة طريق تضع إطارا زمنيا محددا لإزالة كل العواقب التي تقف وراء استمرار الانقسام.
الحقيقة أن الانقسام الفلسطيني لا يمكن أن ينتهي في ظل استمرار نفس الظروف التي أدت إليه وأن الدعوات العربية لعقد حوار مصالحة لا يمكن أن تفضي إلى نتيجة: من المفترض ان يأتي الحل من داخل فلسطين وليس من خارجها ومن دون تدخل أي طرف ثالث الا إذا كان فلسطينيا والأهم من كل هذا وذاك ان يكون لحماس استعداد بتقديم تنازلات فيما يخص دورها في غزة وأن تعترف أن لجوءها إلى القوة كان أحد الأسباب الرئيسية التي حفرت خندقا كبيرا بينها وبين فتح.
لا يمكن لحماس أن تخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه من دون أن تقوم بنقد ذاتي لمسارها السياسي وحكمها لغزة الذي لم يأتي بالجديد طيلة اكثر من عقد من الزمن وأن تتوقف عن تعليق شماعة فشلها على الحصار الإسرائيلي، والأهم أن تراجع حساباتها السياسية ومن تحالفاتها الخارجية التي لم تقدم شيئاً مفيدا لفلسطين وغزة تحديدا : ايران استعملت حماس في صراعها ضد إسرائيل وضد العرب وعمقت من بعدها عن العمق العربي، أما تركيا فاستعملتها للدعاية الانتخابية ولتحسين صورة تركيا في العالم العربي، أما بالنسبة لقطر فهي التي تستثمر في علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل لتحافظ على الوجود الإخواني في المنطقة.
توحيد الصف يحتاج إلى نية صادقة قبل أن يحتاج إلى طاولة تجمع الفرقاء في صورة تذكارية ثم يعود بعدها كل جناح في طائرته الخاصة، توحيد الصف يحتاج كذلك إلى الكف عن الاتهامات التي تشوه صورة التاريخ النضالي لحركة فتح ووصفها بالعميلة للاحتلال عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حين أن حماس تجد نفسها مضطرة أيضا إلى التنسيق مع الاحتلال فيما يخص ملف تصاريح العمل وملف صفقة الأسرى وملفات المساعدات القطرية التي تدخل للقطاع ولا يعتبر هذا بأي شكل من الأشكال عمالة بل ضرورة من الضرورات التي افرزها الوضع.
أتمنى أن يفهم الجميع أن التحديات التي تمر بها القضية الفلسطينية في ظل الزحف العربي نحو التطبيع مع إسرائيل هي الحافز الذي يدفع الفلسطينيين إلى التوحد والحفاظ على ما تبقى من فلسطين التاريخية التي تتلاشى يوما بعد يوم بفعل ضعف الموقف العربي والفلسطيني على حد سواء.