لم تحمل زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط أي جديد يذكر في الملف الفلسطيني بل تركزت على الصعيد الإقليمي وحملت رسائل قوية لإيران ولم تكن مقابلة بايدن مع أبو مازن سوى زيارة مجاملة، خالية من أي خطوط عريضة لعملية السلام التي تدعي أمريكا أنها تدعمها، ولكن في الحقيقة فإن صمت البيت الأبيض على تجاوزات إسرائيل وتعاملها بازدواجية المعايير هو من يطيل حلها لا بل يلغي فرص السلام، مادامت سياسات الحكومات الإسرائيلية المتتالية لا تلقى ردعا من شرطي العالم.
لن يختلف بايدن كثيرا عن سابقيه ممن اقاموا في البيت الأبيض: لقد وظفوا الصراع في الشرق الأوسط لخدمة الدعاية الانتخابية ووظفوا ما يجري في فلسطين للتأثير على المال اليهودي الذي له كلمة مؤثرة في الاقتصاد العالمي، ولكن ما ان وصلوا إلى مبتغاهم تحولت نظرتهم إلى الصراع من تصورات لسلام عادل وشامل على اساس حل الدولتين إلى اضافة تعقيدات في الملف أكثر فأكثر، تماما مثل ما فعل بوش الابن الذي أراد ان يرسم خريطة الشرق الأوسط على مزاج إسرائيل، ثم جاء أوباما الذي لم يفعل شيئا سوى اطلاق الوعود والشعارات الرنانة طيلة 8 سنوات، وشهدت المنطقة خلال فترة حكمه حربين لم يتمكن خلالها من كف يد الاحتلال عن استهداف المدنيين بأسلحة محظورة دوليا، واكتفى قبل نهاية فترة حكمه بخطوة غير مسبوقة تمثلت بامتناع الإدارة الأمريكية عن استخدام حق النقض (الفيتو) لعرقلة صدور قرار من مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي يدين وبشكل واضح الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية ليسجل ذلك في مذكراته الشخصية، ثم أتى ترامب ليزيد الطين بلة ولينحاز بشكل واضح للجانب الإسرائيلي من خلال صفقة القرن ومعارضة حل الدولتين، ولو أنني أرى ترامب كان أصدق الرؤساء الأمريكيين في معالجته للملف الفلسطيني فهو لم ينافق مثل من سبقه ومن تلاه، بل كان واضحا في مواقفه التي لم تخدم القضية الفلسطينية ولم تكن استثناءا او شيئا غريبا .
تأتي ادارة بايدن لتقدم حلولا اقتصادية متجنبة الحلول السياسية في محاولة لإبقاء الوضع على ما هو عليه، مادام هذا الوضع يخدم إسرائيل التي تشاركها في ملفات حساسة في الشرق الأوسط وترعى مصالحها بشكل جيد أمام العدو التقليدي المشترك ايران ويستمر ملف الاعتراف بدولة فلسطين في التجاهل لأنه لا يخدم مصلحة الاطراف المحسوبة على اللوبي الصهيوني ويضع الإدارة الأمريكية أمام مسؤوليات هي في غنى عنها وقد تشوش على مستقبل العلاقات مع إسرائيل، على اعتبار ان ملف القدس هو أحد أبرز النقاط المعقدة في صراع الشرق الأوسط وهو احد المطالب التي لا يمكن أن تتنازل عنها السلطة الفلسطينية كشرط الوصول إلى اتفاق سالم عادل وشامل ودائم.
إن الظروف الراهنة التي يمر بها العالم و الشرق الأوسط تحديدا، جعلت القضية الفلسطينية تسقط من سلم الأولويات للعديد من الدول العربية ومع استمرار تهرب الولايات المتحدة الأمريكية من الاعتراف بدولة فلسطينية يحق لها ان تكون بنفس حقوق دولة إسرائيل فإن أي خطاب يشير إلى عملية سلام في فلسطين هي مجرد خطب كاذبة وغير واقعية وتستعمل للاستهلاك الإعلامي فقط : اذا كانت أمريكا غير قادرة على مواجهة ضغط اللوبي اليهودي واذا كان أي رئيس امريكي يخشى من مصير جون كينيدي الذي أراد حلا عادلا للقضية الفلسطينية وحلا دائما بين العرب وإسرائيل فتمت تصفيته.
ستبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها أمام النفاق الغربي الذي تأتي في مقدمته أمريكا المتظاهرة برعاية حقوق الإنسان والمتعاطفة بشدة مع ما يجري في أوكرانيا في حين تصمت وتغلق أعينها عما يجري من انتهاكات بحق الفلسطينيين وتدفع بذلك إلى مزيد من التصعيد ومزيد من الحلول الغير سلمية وفي النهاية سيدفع الإسرائيلي والفلسطيني ثمن الصراع المتواصل ولن ترى دولة فلسطين النور ولن ينعم شعب دولة إسرائيل بالهدوء إلى أن يأتي شرطي عالم جديد يحاسب الفلسطينيين والإسرائيليين بنفس المعيار.