الرئيس الإسرائيلي شيمون (شمعون) بيريز، وعندما كان في الثلاثينات من عمره في الخمسينات من القرن الماضي، لعب دورًا هامًا في تحرك "إسرائيل" للحصول على قوة نووية، بناء على تكليف من رئيس الوزراء الاول للدولة العبرية ديفيد بن غوريون، ونجح بيريز في التوصل الى اتفاق سري مع فرنسا، أدى إلى بناء مفاعل نووي في ديمونا في صحراء النقب، بدأ بالعمل عام 1962.
وتضيف وكالة مونت كارلو الدولية[1] تعتبر "إسرائيل"، اليوم، القوة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط، مع أنها لم تؤكد أو تنفي أبدا حيازتها سلاحًا نوويًا، وتعتمد الغموض إزاء هذا الموضوع. وتقدر "مبادرة التهديد النووي"، ومقرها الولايات المتحدة الاميركية أن "اسرائيل" أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لتسليح ما بين 100 و200 رأس حربي نووي.
حاز بيريز الذي شغل منصب الرئيس مرة ومنصب رئيس الوزراء مرتين، في عام 1994 جائزة نوبل للسلام لدوره في المفاوضات التي أدت الى التوصل الى اتفاق اوسلو مع الفلسطينيين، ولم يرأي تناقض بين انجازه هذا وجهوده في البرنامج النووي!
المفاعل النووي طريق أوسلو!
وقال في مقابلة له مع مجلة "تايم" الأميركية أن "ديمونا ساعدتنا في التوصل الى اوسلو".
وأضاف أن "الكثير من العرب، بفضل الشك، توصلوا الى استنتاج مفاده أنه من الصعب جدًا تدمير "اسرائيل" بسبب ذلك"، متابعا "ان كانت النتيجة ديمونا، فأعتقد أنني كنت محقا. وعلى اي حال، فإننا لم نهدد أي أحد أبدًا بالقنابل النووية ولم يسبق لنا اختبارها".
وكلف بن غوريون بيريز بمسؤولية البرنامج النووي عندما كان يشغل منصب مدير عام وزارة الدفاع. وكتب المؤرخ "أفنير كوهين" في كتابه "اسرائيل والقنبلة" أن رئيس الوزراء بن غوريون وضع البرنامج النووي في سلم أولوياته، بسبب المحرقة، والحرب العربية-الاسرائيلية (أي النكبة-محرقة وهولوكوست العرب الفلسطينيين)عام 1948 التي جاءت مع قيام دولة الكيان. وأضاف "اصبحت طاقة بيريز التي لا حدود لها ومهاراته السياسية عنصرًا ضروريا في تحقيق آمال "اسرائيل" النووية".
ويشير الباحث في المعهد الاسرائيلي لدراسات الامن القومي "افرايم اسكولاي" الى أن بن غوريون كانت لديه ثقة هائلة في بيريز، ويقول "اعتبره واحدًا من أكثر الاشخاص قدرة في البلاد وشخصا يمكنه تنفيذ المهمة".
واستعان بيريز بفرنسا في برنامج "اسرائيل" النووي السري. وتم اخفاء الأمر حتى عن الولايات المتحدة الاميركية التي تعد حاليا أهم حليف ل"إسرائيل".
وفي وثائقي عرض على القناة الصهيونية عام 2001، اعترف بيريز أن فرنسا وافقت على تزويد "اسرائيل" ب"قدرة نووية" كجزء من المفاوضات السرية التي أدت الى العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956.
وبعدها بسنوات، في عام 1969، توصلت "اسرائيل" الى اتفاق مع واشنطن يمتنع بموجبه القادة الاسرائيليون عن اصدار أية بيانات حول قدرات الدولة العبرية النووية وعدم اجراء اي تجربة نووية، وتمتنع الولايات المتحدة، من جانبها، عن ممارسة أي ضغوط على "اسرائيل" في الموضوع النووي. ولم توقع "اسرائيل" حتى الآن على معاهدة حظر الانتشار النووي.
وأشاد رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو الذي كان خصما سياسيًا لبيريز في بيان بالرئيس الراحل ووصفه ب" بطل في الدفاع عن "اسرائيل"".
وتواصل "إسرائيل" سياسة السرية إزاء برنامجها النووي. لكن في الثمانينات، كشف الخبير التقني السابق في ديمونا مردخاي فعنونو "اسرارًا" نشرتها صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، منها أن مفاعل ديمونا يستخدم لإنتاج اسلحة نووية.
كانت الحلقة الأهم في تاريخ الرجل هو أنه أمّن ديمومة الكيان بالقنبلة النووية لذلك بدأنا تاريخه الأسود بالأهم والمؤثر، ليكون أحد صناع الدولة الصهيونية على أرض فلسطين إضافة لما اشتهر عنه بالمراوغات والخداع واستثمار سياسة الغموض والشك كما أورد تقرير مونتي كارلو الذي اقتبسنا منه فيما سبق.
حياته
مما كتب عنه مركز مدار للدراسات الإسرائيلية[2] التالي: ولد شمعون بيريس في الثاني من آب العام 1923 في بولندا، وهاجر إلى فلسطين مع والدته وشقيقه في العام 1934، لينضموا إلى والده، الذي سبقهم في الهجرة بثلاث سنوات. في سنوات الأربعين الأولى، بدأ بيريس ينتظم في تنظيمات "شبابية" للعصابات الصهيونية، وفي العام 1945 تزوج من سونيا بيريس. وفي العام 1947، بدأ يعمل مساعدا لدافيد بن غوريون وليفي أشكول في عصابة "الهاغناه"، وهو التنظيم الصهيوني الأكبر، الذي قاد تأسيس كيان "إسرائيل" في العام 1948.
وبقي بيريس يعمل في وظائف رسمية متعددة في ظل حكومات دافيد بن غوريون في سنوات الخمسينات من القرن ال20. وفي العام 1953 بات مديرًا عاما لوزارة الدفاع. في هذه الوظيفة سجّل بيريس أولى ذروات عمله، فقد كان على رأس الطاقم الإسرائيلي المفاوض مع الدولة الفرنسية لإقامة أول مفاعل نووي إسرائيلي.
دخل بيريس إلى الكنيست لأول مرّة في العام 1959، ضمن حزب "مباي" (العمل حاليا)، إلا أنه بقي ملتصقا بدافيد بن غوريون، أيضا حينما انشق الأخير عن حزبه لفترة قصيرة. ثم عاد بيريس إلى الحزب بعد بضع سنوات، وبدأ يتبوأ مناصب وزارية متعددة، كان أهمها في حكومة إسحاق رابين في العام 1974، حينما تولى وزارة الدفاع. وقيل لاحقًا إن رابين عيّنه في هذا المنصب على مضض، بسبب مركز القوة الذي أنشأه حوله في الحزب، ومنذ ذلك الوقت بدأت تتكشف مواقفه المتشددة أكثر.
الحواشي:
[1] مونت كارلو الدولية، وأ ف ب، عام 2016 في عنوانها: شيمون بيريز، مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي.
2 من الملحق الأسبوعي لمدار-المشهد الأسبوعي عام 2016 وبتصرف منا، والمادة كانت تحت عنوان: شمعون بيريس: من "أوسلو" إلى حكومات رفضت الحل!
(الحلقة 1 من 2 عن بيرز)- سلسلة مقالات حول شخصيات ساهمت في تأسيس الكيان الصهيوني على حلقات، وهذه الحلقة 20 منها