الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: السبت 09 / نوفمبر 16:01

خلاصات من مسار مؤسسي الكيان الصهيوني

بقلم: بكر أبوبكر

بكر أبوبكر
نُشر: 28/07/22 07:30,  حُتلن: 08:20

الحركة الصهيونية حركة عنصرية تمظهرت بالقومية المخادعة في عصر نشوء القوميات في أوربا حيث التقطت الفكرة وإعادت بناءها في سياق التميّزالعنصري لمن أسمته "الشعب" اليهودي ووضعت فرضية ساقطة تاريخيًا أن "الشعب" اليهودي أو الإسرائيلي القديم مازال ممتدًا حتى اليوم في قراءة مغالطة للحقائق والتاريخ وعلم الآثار، حيث لم يكن بالتاريخ شعب لدين، وإنما طائفة، وحيث لا صلة بين أولئك القدماء من قبيلة أو قوم او جماعة بني إسرائيل المندثرين، والجُدُد الذين غالبيتهم ما بين قومية الخزر في روسيا ووسط آسيا وأُكرانيا واوربا أي من ذوي جنسيات وأقوام مختلفة.

لم تكن هذه المضامين لتعني للاستعمار الاوربي أو الحركة الصهيونية شيئًا، فالأوربيين الاستعماريين وفي حمأة التخلص من "المسألة اليهودية" عملوا الأعاجيب، والصهيونية ورجالات اليهود ما قبلها وبعدها سعوا لاغتصاب أية أرض (حسب هرتسل بكتابه: فلسطين أو الارجنتين) وحسب المؤتمر الصهيوني لاحقًا عرضت عديد الخيارات واغتصاب هذه الأرض ما اعتبروه رسالة حضارية "أوربية" ضد "البرابرة" كما كتب هرتسل نفسه بهذه الصيغة في كتابه دولة اليهود.

وعليه فإن اغتصاب أرض الآخرين تحت ادعاءات تاريخية توراتية فاسدة، أو دينية خرافية ليست ذات صلة، وإنما هو بالحقيقة مشروع استعماري على نموذج الاستعمار في استراليا أوأمريكا (أمريكا التي اعتبرها ألاوربيون التطهريون المسيحيون عندما هاجروا لها انها هي الارض الموعودة بالتوراة)[1] أو جنوب إفريقيا ولكنه أشد خطرًا وفتكًا لانه تم إثر ردح طويل من الزمن، وانتقل من البُعد الديني المسيحي الغربي الإقصائي الكاره والمضطهد لليهود الى البُعد الخلاصي المسيحاني، ثم الاقتصادي الاستعماري منذ القرن التاسع عشر تحديدًا.

ومما لا شك فيه فإن العداوة المتأصلة لدى الأمم الغربية في أوربا تحديدًا ضد اليهود من أبناء جلدتهم قد أذكت حالة الانعزال والتميز والتعصب، وأظهرت نفسها بمنطق الخصوصية والاصطفاء والابتلاء المطلوب أن يتم التخلص منه إما بالاندماج بالمجتمعات الاوربية أوبالابتعاد عنها.

ارتبطت فكرة او أفكار الوطن اليهودي لدى مفكري الصهاينة اليهود او المسيحيين الأوربيين أو الأمريكان (في كينيا او سيناء او العراق او سوريا او الارجنتين او ليبيا او أوغندا او فلسطين، أو القرم...) بأنهم أمة أو شعب منفصل ويريدون ان يكونوا كباقي الأمم ، ولتحقيق ذلك برز مفهوم الاستعمار لشعب آخر(أو بمنطق العودة للوطن!) من قبل الصهاينة، بمعنى أن الصهيونية التي رفضت النظرة الاستعلائية والاضطهاد الأوربي ليهود أوربا، وروسيا قد مارست ذات الحالة حين ابتعدت عن موطنها الأصلي وادعت أنها ستكون منارة الحضارة ضد "البرابرة" بنفس لغة البيض الأوربيين الاستعماريين ضد الشعوب التي تم غزوها واحتلالها وقتلها ونهب ثرواتها.

الحركة الصهيونية وما سبقها من منظمات مثل أحباء صهيون، أو من الحالات الفردية لاستيطان فلسطين عبر مونتفيوري وروتشيلد لم تكن البداية بل كانت البداية الحقيقية لإشعال نار إيجاد مكان منفصل لليهود الاوربيين أساسًا منذ الانشقاق الديني المسيحي في القرن16 وظهور اللوثرية والبروتستانتية والكالفنية ثم بذور المسيحية الصهيونية التي ضمن إيمانيات غيبية دعت لتجميع وحصر اليهود في بقعة واحدة (في فلسطين) انتظارًا لنزول المسيح! وما بين العداء لليهود وتجميعهم او اعتبارهم بالفعل "شعب الله المختار" ناورت الأفكار وتمادت واستغلت سياسيًا واقتصاديًا فقدمت البناء النظري والدعم بأشكاله المختلفة للفكرة بمعنى أن الفكرة الدينية الأصل ذات العمق المسيحاني الخرافي أثرت على العديد من السياسيين خاصة الانجليز في القرون اللاحقة ليصبح اللورد كرومويل من حاملي لواء إعادة اليهود الى "وطنهم"! وكذلك الأمر ما حصل من الامبراطور نابليون ومن تلاه بالاخص ما كان من الانسباء بالمرستون وشافستبري الانجليز.

مما سطرناه في مشروع كتابنا عن المساهمين في تأسيس الكيان الصهيوني وهنا خلاصته نقول أيضًا: يعود الفضل الأول لنشوء الكيان الصهيوني -وبنسبة باعتقادي تتجاوز ال90%- للاستعمار الانجليزي البشع الذي سعى منذ البدايات لتدمير العمق العربي والعمق الاسلامي خوفًا من عودة الغول هذا لقلب أوربا في ظل الحرب مع الدولة العثمانية وصراع الامبراطوريات والهيمنة العالمية، فكان لا بد من تقاطع المصالح السياسية والاقتصادية، وتلك ذات الأبعاد الدينية الخرافية عند البعض في احتلال فلسطين وهو ما كان.

لقد ساهم الاستعمار الانجليزي أساسًا وبالتعاون مع الدول الاستعمارية الأخرى جميعا وبنسب متفاوتة في زرع الإسرائيلي المخترع في قلب الأمة العربية والإسلامية، وحماية الكيان تحقيقًا للمصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية، والهيمنة على بحر الطاقة في المنطقة، وتقسيم الأمة للأبد، ولم تكن البداية التي يظنها البعض مع إعلان بلفور "اللاسامي" عام 1917 ثم موافقة الرئيس الامريكي ولسون عليه، ثم الرئيس الروسي خاصة إثر قيام الدولة الإسرائيلية، وإنما كان قبل ذلك بكثير كما نوضح بالكتاب بتلك الشخصيات التي كان لها دور عملي وليس فقط تنظيري في إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين العربية.

النقطة الجديرة بالذكر هنا أيضًا بالختام هو موقف العرب والمسلمين من جهة، وموقف سكان البلاد العرب الفلسطينيين من جهة أخرى لأنه حين الاطلاع من البعض الضعيف مرجعيا وعقديا وتفحصًا يفترض أن انتصار الحركة الصهيونية بتحالفها الاستعماري دلالة إما على ضعف وخَوَر الأمة أو على تآمرها وما هكذا كان الحال.

أولًا: رغم ان البؤر الاستعمارية الأولى في العصر الحديث داخل فلسطين-جنوب سوريا كانت قد بدأت في القرن الثامن عشر والتاسع عشر في عهد الدولة العثمانية فمما درسناه بدقة ورغم المراسيم العثمانية الخاصة لشخصيات يهودية بإقامة مزارع او مصانع أو خلافه، فلم نجد وثيقة واحدة اجازت فيها الدولة العثمانية أو الدولة المصرية (1840م) أن أعطت يهود أوربا أوأي من يهود العالم "حق إقامة وطن قومي" في فلسطين.

بل وماكان من رفض مطلق من الشريف حسين بن علي لذلك فيما لحق وبكل إباء ووضوح، بينما حصل ذلك –أي تسليم فلسطين كشقة جاهزة لليهود-من الانجليزالاستعماريين فقط، ثم تمت مصادقته عبر المصادقة على إعلان بلفور ضمن منظمة عصبة الأمم (ما قبل هيئة الامم المتحدة) أي بموافقة الأمم الاستعمارية قاطبة.

اما ثانيًا فيتعرض البعض لموقف سكان البلاد الإصليين بتجاهل تام أن العرب الفلسطينيين كانوا جزء لا يتجزا من مجمل الأمة، وخاصة من الشام الواحد (سوريا الواحدة) وعليه فإن الأحاسيس التي تجمعهم ومازالت ظلت ذات ذات الأثر في انتمائهم الممتد من الداخل الى الخارج أي من فلسطين الى مجموع الأمة، فلم يكن لبضعة أجانب ضمن الدولة العثمانية أو الشام تحديدًا ان يحدثوا فرقًا في المعادلة، لاسيما أن اليهود العرب كانوا يعيشون بيننا لمئات السنين دون ظهور بوادر انفصالية أو استعمارية أو احتلالية تلك التي جاءت تتسلل مع يهود أوربا والاستعمار عامة وعلى رأسه الانجليزي.

فلا يحق لأحد لوم الجماهيرالعربية أو العربية في فلسطين في تلك الفترات المختلفة تاريخيًا التي كان موقفها بين السكون أحيانًا وعدم الإدراك، أوالنظر والمراقبة والتأمل، أوالشك والاحساس الأولى بالخطر الذي ما إن أدركوه، وكان أوائل من أدركه في فلسطين عبر التاريخ هم مسيحيونا الارثوذكس فلم يتوانوا في رفع الصوت عاليًا للدولة العثمانية، ثم ما كان من مظاهر النضال القومي فالاسلامي فالوطني الفلسطيني المختلفة التي نعرفها وبأشكالها الاحتجاجية والاعلامية والثورات العنفية المختلفة رغم كل ادوات البطش والانتهاب والقوانين المجحفة التي رسخها الانجليز ليكرسوا الدولة اليهودية في فلسطين.

لقد صنع الاحتلال الانجليزي من اليهود في فلسطين جيشًا عرمرمًا كما صنعوا-مع الحركة الصهيونية- قيادات إدارية وتنظيمية وعسكرية واستخبارية وصناعية ...الخ كانت من القوة المتعاظمة خلال فترة الاستعمار الانجليزي أن تضخمت وانتفخت لتنافح قتال كل الجيوش العربية حديثة التكوين أصلًا.

اما ثالثا فهي نقطة جديرة بالاهتمام حول الأرض والبيع والشراء وما يتم تداوله دومًا في سياق القابلين أو الرافضين (التتبيع) للقدم الصهيونية المسمى (التطبيع) العربي عبر اتفاقات أبراهام الذي لا نعرفه مع هذه الدول، والقول الجائر أن العرب الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم ما هو كذب صراح فندته جميع الأدلة المادية والتاريخية بالنضالات التي لم تنتهي ولن تنتهي الا بالتحرير والنصر.

وما كان واضحًا من مختلف البحاثة الى اليوم أن العرب عامة والعرب الفلسطينيين الأبطال أستطاعوا الحفاظ على 94% من أرضهم حتى النكبة عام 1948 رغم كل القوانين المجحفة والقتل والقهر الانجليزي. بمعنى أن ما تسرب لأسباب عدة، لم يتجاوز 6% من مساحة فلسطين (مساحة فلسطين 27 ألف كم مربع)، وللإضافة فإن 1% فقط تشار فيها لعمليات بيع فردية فقط بيما الباقي أي 5% من ال6% كانت بإقطعات "بقوانين" انجليزية بأشكال عدة لليهود كأراضي للزراعة والمصانع... الخ.

إن أهمية الإشارة للشخصيات القيادية التي أسست للكيان الصهيوني هي باهمية الاستفادة والاعتبار من جهة، وبأهمية النظر العميق بالأسباب والمآلات التي من خلالها نستطيع اكتساب الحكمة في التعامل مع الأمور اقتداء بقادتنا في إطارالحضارة العربية الاسلامية بالاسهامات المسيحية المشرقية، وصولا للثورة الفلسطينية التي يجب ألا تنطفيء شعلتها حتى حل التناقض الرئيس والأوحد لنا وهو العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا، وتحقيق التحرير والنصر باذن الله تعالى.

---------------

* أصدر الرئيس الامريكي أوباما كتابه الجديد عام 2021 تحت اسم الأرض الموعودة، ويقصد الولايات المتحدة الامريكية.


[1] بل أصدر الرئيس الامريكي أوباما كتابه الجديد عام 2021 تحت اسم الأرض الموعودة، ويقصد الولايات المتحدة الامريكية.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com 


مقالات متعلقة

.