انتهت معركة وحدة الساحات بعد 55 ساعة من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والاحتلال الصهيوني، مؤكدة على الحقيقة الأهم التي تعد أهم الخلاصات الفلسطينية بعد أكثر من قرن من المواجهة مع المحتلين، ألا وهي أن المقاومة وحدها هي السبيل الناجع لتحقيق الأهداف الوطنية السامية.
وهذه المقاومة لكي تحقق أهدافها لابد أن تكون قوية فاعلة ذكية قادرة، لأن كل احتلال على وجه العموم، والكيان الصهيوني خصوصا لا يستجيب إلا للغة الردع المؤلمة لجنوده ومستوطنيه، وكلما كانت تلك القدرة أكبر، كلما كانت جرائمه أقل، ويؤكد على ذلك امتناعه عن سياسة الاغتيالات في قطاع غزة تحت تأثير قدرة المقاومة على فرض معادلة صارمة، تتمثل في أن الرد على أي اغتيال لن يكون أقل من قصف تل أبيب، وهو ما يمثل مسا بعصب الكيان الأهم.
والحقيقة السابقة تضع المقاومة أمام مسؤولية دائمة، تقتضي العمل الدؤوب على تطوير قدراتها وإمكاناتها، ذلك أننا أمام عدو يتراجع في كثير من المجالات دون شك، لكنه مازال قادرا على تطوير قدراته، والتعلم من أخطائه العسكرية والأمنية، ومفاجئة المقاومة بما هو جديد دائما، ومن أهم الإشارات على ذلك مباغتته للمقاومة بمهاجمة الأنفاق بالأحزمة النارية في سيف القدس، والتي كان يرجو نجاحها في الفتك بقوتها وقدرتها.
المقاومة اليوم بحاجة يومية لتطوير إمكاناتها الاستراتيجية، بدءاً من فهم هذا العدو، وقراءة سلوكه، وطريقة تفكيره، وتوقع مخططاته، ونقاط ضعفه وقوته، وكل ذلك بشكل علمي منهجي، مرورا بسبل تطوير قوتنا العسكرية، وكيفية تدريب مقاتلينا، وحماية مقدراتنا من التدمير، وتحقيق الوحدة سياسيا وعسكريا، وحماية الرأي العام من التأثر بدعاية العدو وأكاذيبه، وتوفير احتياجات المواطنين الأساسية، وتعزيز قدرتهم على الصمود، وانتهاءً بكيفية قتاله ومواجهته، وطبيعة المعركة التي ينبغي أن نخوضها معه، وتوقيتها، وأهدافها المرحلية والاستراتيجية، وعلاقتها بالهدف النهائي المتمثل في حشد القوة الكافية لإزالته وتجريفه.
لقد تجاوز الفلسطينيون اليوم كل مشاريع التسوية، وباتت الغالبية العظمى منهم متفقة على أن العدو الصهيوني لن يستجيب لها، وقد أعلن ذلك بشكل واضح على لسان كثير من قياداته، ولم تكن زيارة بايدن الأخيرة إلا تأكيد على هذه الحقيقة، أن لا دولة، ولا اتفاق تسوية، ولا أي إنجاز سياسي لصالح السلطة ومشروعها السياسي، المتراجع أساسا بشكل منهجي.
ومن هنا فإن المسار الوحيد الفعال أمام الشعب الفلسطيني، هو أن ينقل خيار المقاومة من خيار منحصر (أي بشكل مؤثر ومنظم) في قطاع غزة، إلى خيار فلسطيني عام ممتد، يوحد كل الساحات فعليا، ذلك أن المقاومة لن تكون فاعلة كمشروع شامل إلا إذا امتدت إلى الضفة الغربية، والقدس، والداخل المحتل، وإلى ما أمكن من دول الطوق التي يتواجد فيها اللاجئون الفلسطينيون.
ذلك أن تطوير الفلسطينيين لقدراتهم المقاومة في مختلف الساحات، يضمن بشكل مؤكد تشتيت الاحتلال وإرباكه، كما يضمن تنويع أدوات المقاومة، وتوسيع مساحة الاشتباك، فلا يُعقل أن يكون الصاروخ الأداة الوحيدة في معركة التحرير، ولا يكفي أن تكون غزة منطلقا وحيدا للفعل العسكري المؤثر.
ورغم أن السؤال الأهم الذي يظل قائما، كيف يمكن تجاوز الدور السلبي لمنظومة التنسيق الأمني، التي تُعد المعيق الأساسي للفعل المقاوم في الضفة، إلا أن الجماهير الفلسطينية واجهت من قبل واقعا لا يقل صعوبة قبيل الانتفاضة الأولى، إلا أنها نجحت في تجاوزه، وإبداع حالة غير مسبوقة من الفعل المقاوم، وهو ما ينبغي أن نتطلع إليه اليوم، مؤمنين بقدرة جماهيرنا على ذلك، ومنتظرين لفرصة قريبة، تُمثل الانطلاقة العظيمة للفعل المقاوم في مختلف الساحات، وعلى رأسها الضفة الغربية.