طرح أحد الأخوة الأحبة في خضم الحلقات المتسلسلة فكرة "نفذ ثم ناقش" المتداولة، فكان لنا القول أن الفكرة هكذا دون توضيح دومًا ما تكون منقوصة الإسقاط، بمعنى ان الفكرة الرئيسة في طبيعة الحياة الداخلية داخل الثورات والتنظيمات السياسية عامة خاصة تلك التي تأثرت بالثورات العالمية (الصينية، الفيتنامية، الجزائرية، الكوبية...) تعتمد مبدأ المركزية الديمقراطية بالجمع بين متناقضين في إطار من التوازن الصعب أي بين المركزية (والمقصود بها الأوامر الصارمة حين مرحلة تنفيذ العمل) وبين الديمقراطية بما تعنيه من حوار والتزام.
فحيث تبرز المركزية (والمركزية هي نوع من إحكام السيطرة المطلوبة في أي إدارة/قيادة، ولكن حين سقوط القوانين والمرجعية المشتركة تصبح استبدادّا وديكتاتورية) يستدعي ذلك مساحات مسبقة من الديمقراطية، أي أن مرحلة التنفيذ قطعًا يجب أن يسبقها نقاش وحوار واخذ وردّ وليس العكس، هذا اولًا.
وأما ثانيًا فإن تفعيل الحياة التنظيمية الداخلية وفق مبدأ الديمقراطية المركزية (واحيانًا تذكر المركزية الديمقراطية، بتقديم او تأخير) يفترض سلاسة الحياة وديمومتها من اجتماعات دورية وتقارير ونقد ونقد ذاتي ومساءلة داخلية وانتخابات دورية، مقابل الالتزام بالفكرة والإطار والفعل، وبالانضباط للقرارات كل حسب إطاره، حسب التسلسل السليم، بما يتم الاتفاق عليه. وما بين الاجتماعين وتنفيذًا لما أقر فيها تكون هنا فقط الفكرة المقصودة بالتنفيذ الأمين.
ثالثا: لا يوجد في نظام حركة فتح الداخلي مطلق الفكرة التي يتم تردادها بلا سند نظامي (أي نفذ ثم ناقش) لأنها مجردة هكذا تخرق قاعدة المركزية الديمقراطية. ونعم هي فكرة مأخوذة من الحياة العسكرية فعلًا (خاصة ان سمة غالب الثورات كانت كذلك) بمعنى أن مرحلة التخطيط في الحياة العسكرية غير متاحة أصلًا الا لرتب معينة، وما على غيرها (مادونها) الا التنفيذ فتصح، بينما في التنظيم السياسي يتوجب على الإطار من الخلية فصاعدًا ممارسة التخطيط ومستلزماته كل في حدود مسؤولياته ومساحته، ثم التنفيذ يتعلمها العضو ويفهم منطق الأسبقية كما يفهم منطق التسلسل الرأسي.
والنقطة الرابعة فإنه في مرحلة التخطيط للعمل (مرحلة التخطيط هي المرحلة المنفصلة والسابقة على مرحلة النقاش فاتخاذ القرار، ليوضع بعدها القرار موضع التنفيذ دخولًا في مرحلة التنفيذ الامين) يجب أن تناقش بكل قوة وتقبل وترفض وتنقد وتبدع وتغير ومن ثم تصوت ومن بعد ذلك (تخطيط، نقاش، قرار، تنفيذ، تقييم) يتم التفيذ السليم. التنفيذ السليم حسب المُقرّ لا يعني إغفال أي اخطاء بالتنفيذ لاحقًا.
اما النقطة الخامسة هنا فهي أن زمن الضبط الحديدي-كما كانت تسميه منظمات اليسار في أنظمتها- للتنظيمات عامة المستقى من التجارب الثورية الصارمة قد ولىّ في ظل المعرفية الداهمة وثورة المعلوإتصالية، ما يحتاج لكثير نقاش وكثير رحابة وكثير استيعاب خاصة في ظل تنظيم لامؤدلج كحركة فتح ليستمر وهو ما كان من شان أسلوب المبدع ياسر عرفات وصلاح خلف وابوجهاد وهاني الحسن على سبيل المثال الذين آثروا فكرة إجهاد النفس ولساعات طوال لتحقيق التقارب على حساب فكرة الصرامة بالعقاب دون تدرج او تفهم او إعطاء الفرص النظامية للمراجعة وغيرها.