لم أستغرب أبداً عندما سمعت خبر اغتيال صالح العاروري المنسق المكلف من حركة حماس مع حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت، لأن هذا الأمر ليس جديداً وليس مستبعداً لعدة أسباب، منها، ان إسرائيل كانت قد أعلنت أنثر من مرة وعلى لسان رئيس حكومتها نتنياهو ان كل قادة حماس عرضة للاغتيال أينما كانوا. وحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في الثاني من الشهر الماضي فإن نتنياهو أمر وكالات الاستخبارات الإسرائيلية بوضع خطط لاغتيال كبار قادة حماس، الذين يعيشون خارج غزة في أي مكان بالعالم.
كما ان رئيس جهاز (الشاباك) رونين بار تحدث عن توجيهات من الحكومة بملاحقة قادة حماس. ففي تسجيل أذاعته هيئة البث الإسرائيلية في الثالث من الشهر الماضي قال إن الأجهزة الأمنية ستسعى للقضاء على حماس في غزة والضفة الغربية ولبنان وتركيا وقطر "وقد يستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا مصممون على تنفيذه".
وكانت قطر التي يقيم فيها عدداً من قادة حركة حماس ومنهم الرئيسان السابق والحالي للحركة، خالد مشعل واسماعيل هنية، سارعت فورا للتحدث الى مسؤولين اميركيين لمنع اسرائيل من هذا الاستهداف. أما تركيا فقد حذرت إسرائيل في الخامس من الشهر الماضي من "عواقب وخيمة" إذا حاولت ملاحقة مسؤولين من حركة حماس في تركيا.
أذا، نستنتج من ذلك أن أي عملية اغتيال تتم بحق قيادي من حماس هي عملية متوقعة. لكن عملية اغتيال العاروري في بيروت كانت الأكثر توقعاً. لماذا؟ بنيامين نتنياهو، حمّل العاروري مسؤولية عمليات قتل جنود إسرائيليين، هذا من الناحية العسكرية، أما من الناحية السياسية، فان العاروري "هو من الساعين الجديين لترتيب العلاقات بين حركة حماس وحركة فتح، واقامة حكومة وطنية تشمل الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة". وكان العاروري من المكلفين بمتابعة ملف المفاوضات بين حماس وإسرائيل. والدليل على نجاحه اعلان رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية، "أننا منفتحون على الاقتراحات التي تتوالى علينا بشأن مفاوضات لترتيب الاوضاع في غزة "وهذا امر لا يريده نتنياهو. لذلك فإن الكلام عن مفاجأة بعملية الاغتيال ليس في محله، وأعتقد بأنه من السذاجة تصديق هذا الكلام.
واضح أن عملية اغتيال العاروري يستهدف منها نتنياهو توجيه ثلاث رسائل أولها، انه بدأ بتنفيذ وعده بالقضاء على قادة حماس في أعقاب هجومها على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي. وثانيها إن اختياره الضاحية الجنوبية لبيروت والتي هي معقل حزب الله أراد تمرير رسالة؛ بأن لديه القدرة على القيام بخرق أمني للحزب. والرسلة الأخيرة التي أراد نتنياهو توجيهها من وراء الاغتيال، ان لديه القدرة على التنفيذ في حال خطَّط لاستهداف مسؤولين في حزب الله.
وأخيرا... عملية اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت بدون عوائق تعني ان إسرائيل اخترقت أمنياً الحزب، وهو اختراق لا يستهان به. وما جرى في قلب معقل حزب الله ببيروت هو بطبيعة الحال إذلال وإهانة بكل معنى الكلمة لحزب الله.