المتابع لأحداث الشرق الأوسط ولا سيما ما يجري بين دولة الخمينية (إيران) وبين الدولة التي اكتشفها كريستوفر كولمبوس (أمريكا) يستنتج للوهلة الأولى (نظرياً) ان ثمة عداء كبير يملأ صدور الملالي قادة طهران، وحقد كبير لدى من يديرون سياسة البيت الأبيض. لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، فهناك سياسة أخرى غير مرئية تمارس خلف الكواليس، وليس صحيحاً كل ما يُسمع ويُقرأ. وهل ننسى ما قالته الدبلوماسية السمراء وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليسا رايس، خلال حرب عام 2006 ان السياسة مصالح فقط.
المفكر الفرنسي السوري الأصل الدكتور برهان غليون أستاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق المعاصر بجامعة السوربون في باريس يرى أن "أمريكا، لا تقيّدها تحالفات تاريخية، ولا يهمها من الرابح أو الخاسر خارج مجال مصالحها المباشرة، إنما هي تصادق من ينجح في أن يكون شرطياً، يضمن الأمن والاستقرار في المناطق ذات الأهمية لأمريكا، ولقد رأت الولايات المتحدة في إيران هذا الشرطي".
ولو رجعنا الى فترة حرب الخليج الثانية، لوجدنا ان إيران ساعدت أمريكا بشكل كبير ضد العراق. ففي شهر مارس/ آذار عام 2016 كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية النقاب عن اتفاق سري بين واشنطن وطهران سبق الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وبحسب ما نقلته الصحيفة عن كتاب "المبعوث" للدبلوماسي الأمريكي "زلماي خليل زاده"، السفير الأمريكي السابق في العراق، فإن اجتماعات عقدت في جنيف بين السفير الإيراني بالأمم المتحدة آنذاك، محمد جواد ظريف، ومسؤولين أمريكيين بينهم زاده حيث "طلبت أمريكا من إيران التزاماً بعدم إطلاق النار على الطائرات الأمريكية، في حال دخلت الأجواء الإيرانية."
التاريخ يعيد نفسه. أمامنا الآن مشهد سياسي للرباعي الشيعي (ايران، حزب الله، الحوثيون وفصائل الحشد العراقية) ومشهد سياسي غربي آخر يضم أمريكا واسرائيل. حسب بيانات فصائل الحشد العراقية المدعومة من إيران، فقد تم تنفيذ أكثر من مائة عملية قصف ضد مواقع وقواعد اميركية في العراق وسوريا. الغريب في الأمر، انه لم يتم الإعلان لا من الجانب الأمريكي ولا من جانب قوات الحشد عن سقوط ولو أمريكي واحد. وكان البنتاغون قد هدد برد شامل قاس في حال مقتل اي جندي اميركي جراء قصف هذه الفصائل. فلا العراقيين قتلوا جندياً اميركياً واحداً، ولا الامريكان ردوا رداً شاملاً قوياً. هنا تتقاطع المصالح وتنكشف الألاعيب واللعب على حبال السياسة.
وبالرغم من أن ملالي طهران يحلو لهم دائما وصف أمريكا بـ " الشيطان الأكبر" لكن هناك مثال على التناغم الإيراني مع هذا الشيطان. إيران تجنبت الرد على مواقع امريكية بمتناول اليد، واستهدفت قاعدة أمريكية على حدود الأردن، بينما القواعد الاميركية منتشرة من المنطقة الخضراء في بغداد الى اماكن متفرقة في العراق.
وأخيراً... يبدو واضحا ان ايران لا تريد قطع شعرة معاوية مع اميركا، ومن المحتمل ان تكون ايران تخطط للعب دور في انتخابات الرئاسة الامريكية المقبلة، وبناء عليه سيظل التناغم الامريكي-الايراني مضبوطاً، حتى ولو على حساب دماء الآخرين.