بعد أيام تأتي الذكرى الثامنة والأربعون ليوم الأرض الخالد والتي يتراجع زخم احيائها من عامٍ إلى آخر ، فمنذ نحو عقدين فُسحَ المجالُ للعبثِ في قدسية هذا اليوم عندما تعالت الأصوات لتحويل يوم الأرض إلى يوم سلام وكأنَ السلامَ في الشرقِ الأوسط لن يتحققَ إلا بتخلي أصحاب الأرضِ عنها.
نعم هذا ما غرسوهُ فينا خاصةً بعد سَنِ الكنيست الإسرائيلي قانوناً تَمَ ضمنهُ تجريد أهالي النقب من مئات الاف الدونمات بذريعةِ المساهمةِ في معاهدة السلامِ بين إسرائيلَ ومصر حيثُ أقيمَ أضخم مطارٍ عسكريٍ على تلك الأراضي يحمل اسم "نباطيم" ، هكذا كانت مساهمةُ عرب النقب القسريةِ في معاهدةِ السلام، وبموازاة مصادرةِ أراضيهم تحمِلُ إحدى بوابات جامعة "بن غوريون" في مدينة بئر السبع في النقب إسم "بوابة السلام" حيث عبر منها إلى حرم الجامعة الرئيس المصري الراحل انور السادات ورئيس وزراء إسرائيل آنذاك مناحيم بيغن.
وفي خِضَمِ الحرب المُستعرةِ في غزة وعزوف العرب في إسرائيل عن أية نشاطات وطنية خشية الملاحقة البوليسية فإنَ يوم الثلاثين من آذار سيكونُ محطةَ اختبارٍ مفصلية لمستقبلهم السياسي والوجودي ، فإما ينجح التيار الآخذ في الازدياد والداعي لما يُسمى الواقعية بمعنى الأسرلة الجديدة والتي فرضتها المتغيرات في المنطقة والتي تدفع باتجاه تكريسها من خلال الشراكة ، وإما تُراوِحُ الأمور مكانها مع عُلُوِ منسوب اليأس والتسليمِ بالأمر الواقع .
أما خيارُ المُجاهرةِ بالوطنيةِ فيبدو أنه سيقتصرُ على اولئكَ الذين ليس لديهم ما يخسرونه واولئكَ الذين يتمتعونَ بحصانةٍ دبلوماسيةٍ دأبوا على رفع شعاراتٍ الهدفُ من ورائِها تسليطُ الأضواء على الذات .
تزامناً مع مقالتي الأخيرة التي جائت تحت عنوان "عرب إسرائيل" تلقيت الكثير من الإتصالات وردود الأفعال التي اعتبرته مقالاً جريئاً وضع النقاط على الحروف ، وتم تنظيمِ مظاهرةٍ ضد الحرب على غزة هي الأولى منذ أحجمت القيادات العربية في إسرائيل عن مجردِ الإنتقاد الذي اعتادوا عليه، وبدأت الأصوات تتعالى وكأني بها تجلِدُ ذاتها على القيود الذاتيةِ التي وضعتها لنفسها .
من هنا وإذا لم تُقدِمُ الحكومة الإسرائيلية على تخويف وترهيب العرب فإن يوم الأرض لن يقتصر على الإضراب الذي كان جزئياً في العِقد الأخير ، بل ستُنظمُ مسيرةً مركزيةً واحدة على الأقل في إحدى المدن العربية رغم ان لجنة المتابعة للعرب في إسرائيل لم تُحدد بعد برنامجها من ذلك رغم دنو الذكرى الثامنة والأربعين ليوم الأرض الخالد.
لجنة المتابعة الجسم الذي يجمع تحت لوائه معظم الفعاليات العربية في إسرائيل لم يَعُد ذلك المُوَجِه خاصةً بعد تحديد بعض الحركات فعالياتٍ خاصةٍ بها كزرع أشجار الزيتون ومعسكرات التواصل مع أصحاب الأراضي المهددة بالمصادرة في تواريخ تسبقُ الثلاثين من آذار .
يوم الأرض هذا العام سيكون غائباً في غزة التي تشهدُ أطول حربٍ تشنها عليها إسرائيل والضفة المحاصرة .
وتبقى الأنظارُ متجهةً نحو المدن والقرى العربية في الجليل والمثلث والنقب والساحل التي قد تُحيي المناسبةِ على نارٍ هادئة.