يحاصرني سؤال من جميع الزوايا، ماذا لو لم تكن غزة محاصرة!
أقول أن في غزة حكاية الزمن، وطن يعانق الأمل وسط الشجن
أرض تحتضن الأحلام بين الركام، تزهر الحياة وسط الألم والحرمان
ويبقى السؤال: ماذا لو لم تكن غزة محاصرة !
تُحاصرني الاسئلة وتراودني كما لو أنني ولدت من جديد، ماذا لو كان وطننا حر وغزة غير محاصرة! ماذا لو أنني ولدت في بقعة لا يوجد فيها الاحتلال ولا أثر فيها للدمار! أتفحص النظر من بعيد وكلما حاولت الاقتراب يعني قاربت على الإنتهاء، أرى الركام من كل زوايا مخيلتي.
يؤرقني التفكير عندما أتذكر هذا المصير، واتوقف عن النظر حينما يحل المطر، لا أعلم ماذا أكتب وماذا أقول! ولكن في قلبي أشجان متشعبة لا متناهية من القهر، في قلبي أشواك من الحيرة تُدمي الصقر، أنظر إلى طفل فقد كل عائلته، وآخر فقد يديه، والأخير عينيه، أتفحص نفسي أرى أنه لم يصبني شيء ولكنني متهالكة، متهالكة من الجوع ولا شيء يستطيع أن يسد جوعي أو يروي ظمأي، أنظر بكل الإتجاهات فأجد الجميع قد شارف على الإنتهاء، وأن الطريق التي ظنناها لن تنتهي سوف تنتهي.
وما زال ذلك السؤال يطرق أبوابي ماذا لو ولدتي في وطن ليس محتل أو محاصر! ماذا لو استطعت النظر إلى البحر دون قلق! أ والنظر إلى السماء حتى الفلق! وتسلق الأشجار مع الأصدقاء وقطف الثمار دون تفكير بأن هناك رصاصة ستلعب في الهواء وتصيب منتصف رأسك في لحظة غدق! ماذا لو كانت أحلامنا تحلق حرة كالطيور! غير مقيدة بأغلال الخوف أو مكبلة بسلاسل القلق! ماذا لو أردت الصلاة في القدس فذهبت في الصباح دون قيود دون فروض! أليست هذه هي حياة المواطن الحر!
يراودني سؤال جديد بعدما أعلنت استسلامي عن اجابة ذلك السؤال، لماذا احمل تلك الهوية! تلك التي يجب ان أخرجها من جيبي عندما اخرج من غزة فيقولون لي: من أين أنت ومن أين جئت! أقول لهم فلسطينية وهويتي تلك الخضراء مكتوب بداخلها فلسطينية، ولكن سرعان ما يتم رفضي وأعود حيث كنت محاصرة من قبل الاحتلال ومحتلة بجانب وطني ذلك الذي لا أستطيع الدخول إلى مدنه ولا أخفي الأمر فأنا لا اعرف ما أسماء مدني، ولا أعرف كيف منظر البحر وهم يشاهدونه من بعيد، ولا اعرف كيف يتسلل شعور الأمان إلى قلوبهم برفق وكيف لذلك الهواء ان يحرك مشاعرهم المبعثرة من القيود، ولا اعلم ما شعور المشي فوق تراب الوطن وهو حر، ولا اعلم ماذا يعني السير في شوارع فلسطين خاصة.
أنا فلسطينية ولا اعرف شيئاً في فلسطين ولا شيئاً عن فلسطين، بحق السماء لماذا نحن نعيش! اهذا موت مؤقت أو موت مدبر! أقول اخيراً بأننا حاولنا الاعتياد ولكن نريد وطن حر، طرق لا نهاية لها، وأحلام لا تسكنها عدة قيود وتلك هي البداية، لو كنا غير محاصرين لعلمنا ان الحياة ليست مجرد معركة تنجو منها أو تنتصر فيها وعليها بل هي رحلة تزهر فيها تغني وتحلم وتحب بلا حدود، ولكنني الآن أنا الصغيرة أصبحت اكبر من عمري، ويظهر ذلك على خطوط وجهي، والسواد الذي احتل ما تحت عيني، وفقداني للوزن حتى بان العظم، في الحرب وفي غزة وفي فلسطين علمونا أن الإطمئنان والأمان لحظة غدر وعلينا ان لا نصدق كل ما يقال، فأخاف ان اعيش على وهم الخرافات والتصديق حتى الموت أو أن أموت من الخوف.