عن غياب الرؤية وتسارع الفاشية اليهودية :
قراءة في كتاب " الوطنية والمواطنة " للمناضل أيمن عودة
يشكل كتاب "الوطنية والمواطنة " للأخ المناضل أيمن عودة دعوة ناضجة وركيزة هامة وضرورية للمجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، لحماية الذات الوطنية وحقوقها المدنية، حيث هناك جدلية قائمة بين القومية والمدنية، أو بين وطنية الفلسطيني ، بامتداداته الثقافية التي تشكل هويته العربية، وبين حقوقه المدنية ،كمواطن ، في دولة تتعامل مع الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني كأقلية منقوصة الحقوق إن لم تكن منزوعة.
وأمام تفشّي النزعة القومية اليهودية بأبعادها المُنغلقة، والتي تماثل النازية أو الفاشية الأوروبية قبيل الحرب العالمية الثانية، لا بد من التسارع في إيجاد رؤى واقعية، تمثل مشروعاً لحماية الوجود الفلسطيني بهويته وحقوقه المدنية.
والسؤال: هل ممكن للأحزاب والتنظيمات الفلسطينية الموجودة في المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل أن تُحقق المُهمّة؟؟!!
وقبل الإجابة، لا بد من التساؤل: هل هذه القوى والمؤسسات العربية الفلسطينية تمثل المجتمع العربي الفلسطيني برمته؟؟!!
هل تملك قوة الجذب لشرائح المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل لتبدو صمام الأمان لحماية وجوده وتعزيز هويته وانتزاع حقوقه؟؟!! وما لم تكن إجابة شافية في تحقيق ذلك، فإن حالة من الإغتراب ، فعلا ، ستكون قائمة بين المواطن العربي الفلسطيني داخل إسرائيل وبين تلك القوى التنظيمية بتعددها وتلونها السياسي والأيديولوجي والمجتمعي بشكل عام.
وهذا ما أشارك الأخ أيمن عودة في تصوره. ومهم جدا أيضا، ما قاله الرفيق أيمن عودة، بأنّ تشخيص مشكلات الواقع يمكن أن يقوم بها وبشكل دقيق ، كثيرون، من أكاديميين وباحثين وغيرهم، أما معالجة ذلك، فيستدعي وجود قيادة ناضجة وواعية ومدركة لواقعها، فهذه مهمة القيادة، التي تختلف بالتأكيد عن غيرها من الشرائح المجتمعية والثقافية.
إن التنظيمات القائمة في المجتمع العربي، لها أعضاؤها ومؤيدوها وأنصارها، وكأنها منتديات، لها كثير من الإيجابيات، لكن لا تصل إلى مرحلة حل المعضلات القائمة التي تتهدّد مجتمعنا العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، والتي تزداد حدّتها بتزايد ظهور التنظيمات القومية العنصرية اليهودية، التي لا ترى حقا للعيش في هذا الوطن لسواها، فالمستهدف هو المواطن الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء عام 1967 وما قبل ذلك، فالمواطنون في الضفة الغربية والقدس، أو في قطاع غزة، أو داخل الخط الأخضر، جميعهم عناصر مرفوضة من وجهة نظر التنظيمات اليمينية اليهودية الفاشية، فلا حق لهم حتى بالعيش، وتسعى تلك القوى اليمينية اليهودية الفاشية إلى رفع شعارات تطالب بقتل كل ما هو عربي وتهجيره خارج وطنه، فإما أن يقبل بالعيش كخادم لليهود ودون حقوق، أو الهجرة الطوعية، أو القتل، ولا خيارات غيرها حسب مخطط سموترتش.
وهذا يثير التساؤل حول توجه العرب من فلسطينيي الداخل للأحزاب: فهل انضمام الناس للأحزاب لحاجة مجتمعية تعوّض عن نقص، أم تعبيرا عن ذاتهم الوطنية والفكرية والوجدانية؟؟!! وشتان بين الحالتين بمردودهما.
وسؤال مهم يبرز بالضرورة، إذا كان الهدف العام، يخدم المشروع الوطني لأبناء شعبنا العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل: هل يمكن للأحزاب والهيئات والمؤسسات العربية أن تُجمع على مشروع يحقق وطنية أبناء شعبها وحقوقها المدنية من جهة أخرى؟؟ وهل الشراكة العربية اليهودية يمكن أن تسهم في هذا المجال؟؟ وهل دور الأحزاب سيبقى استقطابياً لجمهورها، أم سيكون لها دور على مستوى العام، وما دورها في مواصلة تمكين العرب داخل إسرائيل؟؟ وهل يمكن تحقيق ذلك دون رسالة ثقافية وطنية تقدمية، تسهم في تحقيق نسيج مجتمعي يحقق الوحدة الوطنية لجماهيرنا العربية في الداخل.
هذه أسئلة وجيهة طرحها الاخ أيمن عودة في كتابه الوطنية والمواطنة، وأشاركه الرأي فيها تماما. ويزداد عبء هذه الأسئلة زيادة طردية مع توجهات حكومة اليمين الفاشي في إسرائيل، استجابة للتطرف الديني واليميني الجارف في الشارع اليهودي، حيث ينعكس الظلم والإجحاف على المواطنين العرب الفلسطينيين، بفرض المؤسسة الرسمية الحاكمة في إسرائيل "قانون القومية" ضمن المناهج التعليمية الإلزامية لطلابنا الفلسطينيين في مدارسنا في مجتمعنا العربي، ليصبح إرثه الثقافي مشوِّها لامتدادات شعبنا الثقافية والحضارية ذات الجذور الضاربة في عمق التاريخ، فلكل مدينة أو بلدة على امتداد الجغرافيا المعاشة بحدود إسرائيل لها وهجها التاريخي العربي، وزخمها الحضاري المتواصل، حيثُ تشكل أسوار عكا، وأشجار الصبر وبعض المآذن التي ما زالت قائمة وكثير من الأزقة والمقاهي والتراث الشعبي من أزياء وأغاني ودبكات شعبية ، والأضرحة والقبور والحكايات الشعبية، شواهد حاضرة على أصالة هويتنا الوطنية، ولا يمكن نزعها واقتلاعها لتحلّ مكانها صورة هرتسل في الذهنية والثقافة الفلسطينية كمؤسس لدولة اليهود، أو أية شخصية إسرائيلية أخرى.
وهذا التمسك بالتراث هو جانب مهمّ من الهوية الوطنية، ويمثل حالة الوعي في المجتمع العربي داخل إسرائيل النقيضة لهويتنا وتراثنا وحضارتنا. ويَبرز ،هنا ، دور المؤسسة العربية في المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل. حيث لها أدوار مركبة ومتشابكة، تسعى لحماية الحقوق المدنية للمواطن الفلسطيني في أماكن عمله، ولتأكيد هويته القومية.
ولا بد من إدراك التقاطعات والتعارضات مع النقابات والاتحادات والهيئات الإسرائيلية، مثل الهستدروت، التي تخدم الموقف الحكومي الرسمي، إذا تعلق الأمر بالموظف العربي وسلوكه المُعبّر عن استجابته لقرارات الهيئات العربية الممثلة للمجتمع العربي داخل إسرائيل، كفعاليات يوم الأرض وغيرها. الأمر الذي يؤكد ضرورة وجود اتحادات عربية بفعل الاحتياج الشعبي.
ومن المشكلات التي تبرز وبحاجة إلى اهتمام، سياسة الدولة التي تسعى إلى تجزئة المجتمع العربي، محاولة منها أن تجعل لكل من الدروز والبدو بتقسيمهم ما بين شمال وجنوب كأقليات إثنية منفصلة. وتتعامل حكومة إسرائيل مع ما تنتجه من إثنيات عربية كرعايا وليس كمواطنين لهم حقوقهم.
وتربط الدولة سلة حقوق المواطنين العرب وترهنها بمدى خدمتهم العسكرية ودفعهم الضرائب. وفي المقابل علينا ، كفلسطينيين في إسرائيل، أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن لا نتعاطى مع التصنيف الإسرائيلي لهم كقوميات وإثنيات.
ولخلق حالة الوعي الفلسطيني للمواطنين العرب داخل إسرائيل، لا بد من خطة ممنهجة، لها أهدافها وأدوات فعلها واستراتيجياتها. وهذه مهمة جميع الهيئات والمؤسسات ورجال الدين والشخصيات ، بتعدّد طيفهم الحزبي، خاصة أن المجتمع العربي يشتمل على كثير من الهيئات والمؤسسات والكادر الفاعل، حيث توجد لجنة المتابعة العليا للجماهير الفلسطينية في إسرائيل، واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية، إلى جانب الأدباء والكتاب والمحامين وطلاب الجامعات وأعضاء الكنيست المنتخبين الحاليين والسابقين، مع إمكانية إيجاد اتحادات مهنية ونقابية تمثل المواطنين الفلسطينيين داخل إسرائيل.
ومن أجل إنجاح الهدف المذكور أعلاه، بخلق حالة الوعي الوطني وتأكيد الهوية الفلسطينية، مع النضال من أجل اكتساب حقوق المواطنة ودون تمييز لشريحة مجتمعية عن غيرها من سكان إسرائيل على أساس الدين أو اللغة أو اللون أو القومية أو غير ذلك، لا بد من توحيد الجهود وتنسيقها وإيجاد عنوان وطني واحد وواضح، يشكل مرجعية للعمل. وإنّ عدمَ الانسياق للتصنيفات الإسرائيلية الساعية لشرذمة الفلسطينيين المكوّنين للمجتمع العربي داخل إسرائيل، من شأنه أن يزيد من تماسك ووحدة وصلابة الموقف والُّلحمة بين أبناء الشعب الواحد.
وبوجود عنوان وطني موحد وواضح، يمكن إسماع الصوت العربي الفلسطيني من داخل إسرائيل للمؤسسات الحقوقية والإنسانية الدولية، وللرأي العام في دول العالم الغربي وغيرها من دول العالم ، إضافة إلى التوجه الفاعل لمؤسسات الأمم المتحدة، لتشكل تلك الجهود دعامة للحقوق المدنية للفلسطينيين كونهم مواطنين، والحقوق الوطنية لهم كونهم أقليات قومية في دولة تحكمهم في ديارهم ووطنهم، وتَسلُبهم كافة حقوقهم المترتّبة على ذلك. مع التأكيد على قاعدة أنّ الحقوق لا تُستَجدى، إنما يتم تحصيلها بقوة الفعل في الميدان.
ورغم تشابك الوضع وتعقيداته، تبرز أسئلة ذات علاقة، فهل يتم توسيع الشراكة مع مؤسسات واتحادات يهودية، أم العمل لتحصيل الحقوق بشكل منفصل؟! وهل اتجاه المواطنين الفلسطينيين أكاديمياً ومهنياً، وتحقيقهم الأفضلية في سُلّم الأعمال والوظائف في الجامعات والمستشفيات الإسرائيلية يشكل ضمانة لحقوقهم، واستمرار وجودهم وتأصيله في ديارهم ووطنهم في ظل هجمة اليمين الديني المتطرف ذات النزعة الفاشية، والرافضة للآخر؟! مع أهمية توسيع الشراكة العربية اليهودية لتحقيق قدر أكبر من المساواة في المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لكن، هل تتحقق الشراكة بين جسمين أحدهما قوي والآخر ضعيف؟؟!! مما يلزم العمل على ضرورة تحقيق وحدة وقوة الموقف العربي، بانسجام وتساوق في الرؤى، رغم وجود حالة من التباين في عديد من المواقف كأمر طبيعي.
وهل الشراكة العربية – اليهودية، يمكن أن تتحقق أو تأتي بمُخرَجات دون أهداف مشتركة، أو برنامج سياسي واجتماعي، ودون وحدة الشعار أو الخطاب؟؟!! وجميع ذلك لاستقطاب الجماهير ودعمهم وتأييدهم للبرنامج والشعارات المطروحة. وهل المهم ،هنا ، انتصار خطاب لحزب أو جبهة أم انتصار للمشروع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل، كشرط وضمانة لتحقيق الأهداف العامة والأساسية ذات العلاقة بالبعدين: الوطني والمواطنة.
وعلى الفلسطينيين في الداخل، تأكيد امتدادهم للشعب العربي الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 سواء في الضفة الغربية أو القدس أو غزة، وأن يكونوا جزءً فاعلاً من النضال الوطني الفلسطيني لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وهذا ما أكدته وثيقة السادس من حزيران عام 1980، كما يُؤكد هذا الفهم على النسيج الاجتماعي الفلسطيني والوحدة الوطنية التي تجمع أبناء شعبنا في أرجاء الوطن وفي الشتات. وهناك من يرى أن الخلاص من الاحتلال يمكن أن يكون في دولة واحدة على كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر، وتجمع جميع مواطنيها عربا ويهودا، رغم وجود قيادات صهيونية تنادي بالدولة الواحدة، كحق لليهود فقط في أرض فلسطين. وهناك من ينادي بدولتين في وطن واحد، عاصمتهما القدس. وهذه جميعها رؤى سياسية، لا إجماع عليها، فالإجماع فقط على كنس الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967م وتحقيق الحقوق المدنية والوطنية لشعبنا في الداخل.
وما ينطبق في الحديث عن الفلسطينيين في الداخل، لا بد أن ينطبق ، أيضا ، على شعبنا الفلسطيني في بقية الوطن المحتل. فحالة الإنقسام الحاصل في الساحة الفلسطينية، بانفصال غزة عن بقية الوطن سياسياً وجغرافياً، من شأنه ترسيخ الاحتلال، وفقدان مصداقية العمل، والتشكك في أي برنامج وطني لإنهاء الاحتلال، وزيادة الهجمة الشرسة لحكومة الاحتلال للاستفراد بتجمعات شعبنا، ويشكل، أيضا ،غياب المرجعية الفلسطينية الواحدة، والمسّ بوحدانية التمثيل الشرعي للشعب الفلسطيني وهيبة منظمة التحرير الفلسطينية. ما يستوجب وحدة القيادة الفلسطينية، وإن تعذر ذلك لأسباب مهما كانت، فلا بد من الالتقاء على برنامج عمل لإنهاء الاحتلال، والتأكيد على المرجية السياسية الفلسطينية الواحدة، مع العمل على انتخابات لتجديد الشرعيّات، وسحب نتائجها على تركيبة م. ت. ف وفصائلها ..
د. فالح سماره
الطيرة / المثلث