لكلّ ليلٍ فجر ..
" في الذكرى الثانية لرحيل شيرين أبو عاقلة "
ترحلين ليبقى الخريف جرحاً غائراً في القلوب ، ينفث آهاتٍ حرّى ..
يغمر الريحُ رذاذ المطر حزناً ونحيباً .. وتنشد القبّرات على الأشجار لحن الفراق .. الفراق الذي يشيع رسالة عشقٍ أبديّة اسمها شيرين ..
يأتي الجواب كطيور مهاجرة تخيّم فوق البيوت والكنائس ومحارات الأفق ..
لكل ليلً فجر يا شيرين ..
وفجرك في هدير البحر وشهاب البشرى وأمواج العشق الملتهب ..
لم ترعبك الرصاصة لأنها لم تخترق الذاكرة لتحبط ما فيها من صور وفراشات قادمة وأمنيات ستتحقق ..
ها هي روحك تهمس للبحر لتعيد الحلم من غربته .. وعلى ضوء قنديل مقدسيّ تحرسين الأزهار على أكتاف السور .
عيناك تلاحقان غربان الموت ، فتسقط مرتجفة لا تقوى على الحركة .. ويداك ، عبر كاميرا الحقيقة ، تحدّدان تفاصيل المشهد وتعرّيان الجريمة .
كنتِ في شوارع القدس القديمة تقرعينَ أجراس العودة في كنيسة القيامة ، وتسلّطين الضوء على مئذنة الأقصى ..لتبدو الحقيقة أمام العالم أجمع أن لا مكان للخفافيش .. فالشمس لا بدَّ ستنطلق من عقالها ..
وتبقى التغطية مستمرة .. لا توقفها رصاصة أو عصا أو قيود ..
تبقى مستمرة لأنها رسالة حقٍّ وحقيقة .. رسالة صدق لا رياء فيها ..
وأنت يا شيرين كما عرّافة الوطن تحملين وصيتَهُ للكونِ بلغة الطيور وقوّة الصقور ..
على بعد زهرة من أسوار القدس تبدو صورتك .. فيجتمع الناس حولها ينثرون الغيم في صبوات الرؤى كبراءة حلمٍ فتيّ ..
تقومين في أعماق المجرّة وتنظرين من أعالي السّحاب كقطرة ماءٍ تناجي زيتونة .
تلتحفين عشق الأرض غطاءً مريمياً يبدأ بتوقيت فلسطين ولا ينتهي بأي توقيت آخر ..
تمتهنين الصعود فوق الجبال كخيول الفتح الملثمة بالكوفية ..
تُسرّحين الذاكرة على زهو جبال الجليل ..
وتحتسين كؤوس العشق في بيادر المثلث ..
وتعانقين خوابي الحلم في سهول النقب ..
وتكتسين بعطر السواحل وقلاع المدن وأحضان البيوت العتيقة التي يعمرها الشوق ..
لم تكوني يوماً إلّا أنتِ ..
بالصوتِ والصورة والأسئلة المشرعة على الحقيقة ..
لم تكوني إلّا أنتِ ..
بنفس الهوية والموقف وثبات الرّأي ..
لم تكوني إلّا أنت ِ..
بحضورك المرموق ونفاذ بصيرتك وتميّز حضورك ..
لم يغيّبك الموت فما تزال التغطية مستمرة
ونوافذ الأمل منذورة للشمس ..
وفي المساءات يطلُّ قمرك في حواري القدس وبيت لحم ونابلس وجنين والخليل وطولكرم ..
يطلُّ قمرك ليعيد حكاية الخيمة إلى سابق عهدها ، متشحةً بالحنين ..
سكنتِ القلوب والحنايا يا شيرين ..
وما تعب الصهيل في الثغور وما تراجع الحصاد ..وما تجمّد الماء في الغدير .. وما ضاع الأمل بين أنياب الشوك ..
سكنتِ القلوب والحنايا وصفّقت لك العيون قبل الأيادي ..
وهَتفَتْ لك الحناجر كحوريّةً مجلّلةٍ بفيروز العودة ونسيم العمر الرطيب . .
لم يقتلك الموت بل أعادك إلى الحياة ..
إنه ميلادك الجديد في فضاءات الحقيقة التي لن تحجبها غربان الشّر ..
ميلادك الجديد في سنتك الثانية ..
وتبقى التغطية مستمرة ..
الطيرة / المثلث
12/5/2024م