يسألني كثيرون كيف يمكن للدولة ان ترحّل بشكلٍ سريعٍ احياءً بأكملها يسكنها المواطنون العرب البدو في النقب منذ عشرات السنين وكيف لا توقف المحاكم ذلك؟ وردا على هذا السؤال أوضّح ان أوامر الهدم والترحيل تصدر بعد مسارٍ من الأكاذيب والألاعيب والخدع تمارسها المؤسسات المعنيّة حتى تحصل على قرار قضائيّ سريع لترحيل المواطنين. وهذه مراحل الخدع وأبطالها:
المرحلة الأولى- يبدأ مخطط الترحيل حيت تقرر سلطة توطين البدو بنفسها ان الحل السكني الملائم لسكان بلد معين هو في موقع آخر وليس من خلال تنظيمهم في موقعهم الحاليّ. تتخذ السلطة هذا القرار دون التشاور المسبق مع السكان ودون فحص رغباتهم وطلباتهم ودون الحصول على موافقتهم على الموقع البديل.
المرحلة الثانية- بذريعة ان المواطنين لا يوافقون على الانتقال الى الموقع البديل الذي خصص لهم وانهم لا يتعاونون معها، تقوم سلطة توطين البدو بالتوجه لنيابة الدولة- القسم الخاص بالتنظيم والبناء- وتطلب منها العمل على اصدار أوامر هدم سريعة لإخلاء المواطنين. لا تفحص نيابة الدولة مدى مصداقية ادعاء سلطة توطين البدو ان المواطنين لا يتعاونون معها ولا تفحص موقف السكان مباشرة ولا حتى مدى ملائمة الحل المقترح من قبل سلطة توطين البدو للسكان.
المرحلة الثالثة- بناء على طلب سلطة توطين البدو ترسل نيابة الدولة مفتشي السلطة القطرية لمخالفات التنظيم والبناء الى موقع السكان لتحضير ملفات الهدم. يقوم المفتشون بزيارة الموقع بمرافقة قوات كبيرة من الشرطة وفي جوٍ من الإرهاب والرعب لدى السكان. يزور المفتشون الموقع على النحو المذكور مرة واحدة ومن ثم مرة أخرى بعد أسبوعين او شهر تقريبا، وفي كل مرة لا يتحدث المفتشون مع السكان وأصحاب البيوت ولا يقومون باستجوابهم بل يلصقون على المباني إنذارات "ضد مجهول" ويغادرون. فيما بعد، يقدّم مفتشو السلطة القطرية تصريحات خطيّة انه في كل الزيارات للموقع لم يكن أصحاب البيوت موجودين او انهم كانوا موجودين ولكنهم لم يعرّفوا عن انفسهم ولم يتعاونوا مع المفتشين، ولذلك فان أصحاب البيوت والمباني غير معروفين ولم يكن بالإمكان التحري عن هويتهم!
المرحلة الرابعة- بناء على ادعاء سلطة توطين البدو ان هناك حل بديل لإسكان المواطنين ولكنهم لا يتعاونون معها، وبناءً على تصريحات مفتشي السلطة القطرية ان أصحاب المباني مجهولون، تقدم نيابة الدولة لمحكمة الصلح طلبات قضائية لإصدار أوامر هدم سريعة ضد كل بيت ومبنى في الحي. تقدم هذه الطلبات وفق المادة 239 لقانون التنظيم والبناء مع ان هذه المادة تخوّل المحكمة اصدار امر هدم ضد مبنى معين في حالة كان صاحب البيت ميتا او خارج البلاد او غير مؤهل للمحاكمة او ان مخالفة البناء التي ارتكبها قد تقادمت. ومع ان هذه المادة غير معدّة لترحيل احياء مسكونة منذ عشرات السنين وسكانها معروفون، تتذرع نيابة الدولة "مصلحة الجمهور" تحتّم اصدار أوامر الهدم وفق هذا المسار وعلى وجه السرعة!
المرحلة الأخيرة قرار المحكمة الهدم والترحيل. ووصولا لقرار جائر من هذا النوع، تغضّ المحكمة نظرها عن الألاعيب والمزاعم الكاذبة المذكورة لسلطة البدو وللسلطة القطرية للتنظيم والبناء، وعن أدعاء المواطنين انهم احياء يرزقون وليسوا مجهولي الهوية كما يصوّر للمحكمة في طلبات الهدم، وان الحديث عن مباني قديمة منذ عشرات السنين وانه ما مبررات حقيقية تحتّم العجالة والتسرع في اصدار أوامر الهدم. كما تمتنع المحكمة عن التدقيق بالحل المقترح للسكان ان كان مناسبا لهم او غير مناسب! هكذا يكون قرار الهدم في معظم الحالات محسوما منذ بداية القضية وان الاجراء القضائي صوريّ ليس أكثر.
بمسار معطوب وفاسد كهذا، وبهذه الخدع والألاعيب، تصدر الدولة بلا انقطاع اوامر الهدم والترحيل ضد المئات من البيوت والمباني وضد احياء وبلدات بأكملها للمواطنين البدو في النقب. مع ذلك فان تمثيلا قانونيا جديّا للمواطنين يفضح تلك الخدع والألاعيب من شأنه ان يحبط مخطط الهدم وهو ما يعوزه المواطنون في معظم الحالات. في الوقت ذاته يجب العمل أيضا على فضح هذا التعامل مع المواطنين العرب وتلك الخدع التي تستعملها المؤسسات بغية ترحيلهم، وذلك من خلال الإعلام والكنيست وغيرها من المواقع المؤثرة، راجيا ان يلتف النواب العرب ومؤسسات المجتمع المدني لهذا الموضوع الهام ويساندوا أهلنا في النقب.