هل ينجح اليمين المتطرف في حل مشكلة الهجرة ؟
صعود اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة كان له وقعه الخاص على الجاليات المهاجرة، كيف لا وهي تشاهد الأيديولوجيات المتطرفة التي شنت خطابا عنصريا ضدها منذ عقود قد اعتلت منابر الحكم، وهي بلا شك تعد العدة لمواجهتهم ولتضييق الخناق ضد مئات الألاف منهم رافعة شعار " الهوية الوطنية فوق كل إعتبار "، وعلى الضفاف المقابلة من البحر الأبيض المتوسط يترقب عشرات الآلاف من الطامحين في الهجرة هذا المشهد السياسي الجديد في أوروبا بقلق وحسرة، لما له من تأثير على فرص الالتحاق بمن سبقوهم في الوصول الى أرض الأحلام، هذا الوجه الجديد لأوروبا قد يسد المنافذ الرسمية والغير شرعية في وجوههم الى إشعار ربما لن يأتي .
نجاح اليمين المتطرف ربما يكون نجاحا ظرفيا جاء كنتيجة منطقية لحالة اقتصادية صعبة تعيش تحت وطأتها أوروبا بعد أن خرجت من مرحلة الوباء لتجد نفسها في حرب إستنزاف فرضها غزو بوتين لأوكرانيا، هذا النجاح يعكس أيضا المزاج العام في أوروبا الذي استهلك بما فيه الكفاية خطابا يساريا مكررا يقف عاجزا عن إيقاف كرة التضخم الإقتصادي المتدرحرجة بثقل نحو الأسفل، وبات رافضا لفكرة توسيع الإتحاد الأوروبي شرقا على حساب الرفاهية التي تتراجع وتتقلص غربا.
في هذا الظرف الإقتصادي العصيب أصبح من المنطقي أن تنساق الأصوات الى من يقود خطة إصلاح وإنقاذ حتى وإن كانت ستأتي على حساب المهاجرين أو الأوروبيين الشرقيين وفي هذا الظرف و المزاج العام وجد اليمينيون المتطرفون ومروجو الأفكار العنصرية بيئة خصبة للتمد على حساب مكتسبات الجالية المهاجرة سيما في ملفي المواطنة والإندماج .
لسنين طويلة اسنزفت أوروبا الكثير من المادة الرمادية التي وفرتها أنظمة حكم بائس لم تكن بحاجة الى أبناءها بقدر ما كانت حريصة على تتبيث أقدامها في الحكم: استفادت أوروبا أيما استفادة من خزان الكفاءات المهنية التي وفرها المهاجرون في سوق العمل الأوروبي وسدت الفجوة العمرية في مجتمعاتها ما بين الشيوخ والشباب، في المقابل لا ننكر أنها قدمت العديد من الإمتيازات و حسنت من الوضع الإقتصادي والإجتماعي لقاصديها، ومع ذلك بقي ملف الهوية ورقة سياسية يتم توظيفها من اليمينيين واليساريين والمعتدلين والمتطرفين على حد سواء بغية الوصول الى السلطة.
الحكومات اليسارية وفرت الملاذ للأطباء وعمال المزارع والمهن الشاقة لكن دافع هؤلاء المهاجرين الذين فرو من حجيم حروب وأزمات ومن بلدان أكلت أنظمتها الشمولية الأخضر واليابس كان دائما يتفوق على مطامع السياسيين وهو ما يجعلنا تقييمنا لتلك السياسات على أنها تصب في خانة المنفعة مشتركة، والحركات اليمينية المتطرفة وإن كان المأخد الكبير ضد سياستها هو تبني خطاب راديكالي عنصري يرفع من مستويات الإسلاموفوبيا ويرتد بنتائج عكسية، إلا أنها لا تلام في بعض المواضع والأفكار الاقتصادية والإجتماعية، بالنظر إلى أن مخلفات السياسات السابقة في تجاهل الخطر الذي يشكله ملف الهجرة والإكتفاء بمنافعه فقط قادت أوروبا الى ما هي عليه اليوم.
قبل أن تكون مشكلة المهاجرين مع صعود اليمين المتطرف وما سيجلبه هذا الصعود من منغصات تزيد من أعباء الحياة و تجعل بقاءهم غير مرغوب فيه أكثر من ذي قبل، كانت ولا تزال مشاكل المهاجرين مع بلدانهم الأصلية بعد أن قدم حكامهم وأنظمتهم الفاسدة كل الأسباب والمسببات لدفعهم الى الفرار نحو أوروبا، ودفعهم صراع النفوذ بين الأمم الكبرى الى الهروب من آتون الحروب كخيار المضطر، لهذا أليس من الأصح توصيف المهاجر على أنه ضحية قبل أن يكون مشكلة ؟
المفارقة الكبرى تمكن في أن دول أوروبا التي يجمعها ماض استعماري مع العديد من الدول التي ياتي منها اللاجئون هي ذاتها من أسس لميلاد الأنظمة الكليبتوقراطية الوكيلة على أعمالها ومصالحها وهي ذاتها التي فتحت بنوكها لاستقبال أرصدة الحكام و المسؤولين الناهبين، لاينبغي أن ينسى اليمين المتطرف أن أوروبا هي من أفرغت أفريقيا من محتواها، وأن مسألة فك الإرتباط معها يستوجب دفع فاتورة ضخمة تعادل سنوات الإستنزاف التي مرت وحجم الضرر البالغ الذي سببته بنية أنظمة الحكم العسكري الذي اشترك في تصميم مقاسه العديد من القادة الأوروبيين، وأن الميثاق الأوروبي للهجرة واللجوء قد يكون نوعا من الحلول الترقيعية التي تستجيب لحالة مزاجية غالبة في المجتمعات الأوروبية لكنه وبكل تأكيد لن ينهي المشكلة مع استمرار وجود العلة التي تأتي بالمهاجرين.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد:
مجموعة تلجرام >>
t.me/alarabemergency
للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >>
bit.ly/3AG8ibK
تابع كل العرب عبر انستجرام >>
t.me/alarabemergency